انقسمت وجهات نظر جمعيات حماية المستهلك حول المطلب الرائج لدى فعاليات منها بشأن تفعيل الجهاز الحكومي صلاحياته، التي خولها له القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، بخصوص التدخل في حال ما شهدت الأسعار ارتفاعاً فاحشاً؛ وهو ما ترجح التنظيمات المذكورة بأننا وصلنا إليه خلال العطلة الصيفية، متسائلة: متى ستفعل السلطة الحكوميّة هذا الخيار؟
ونصت المادة الثالثة من القانون المذكور على أنه يمكن، فيما يتعلق بالقطاعات أو المناطق الجغرافية التي تكون فيها المنافسة بالأسعار محدودة، إما بسبب حالات احتكار قانوني وإما بفعل دعم الدولة لبعض القطاعات أو المواد عند الإنتاج أو التسويق أو بفعل صعوبات دائمة في التموين، أن تنظم الأسعار بنص تنظيمي بعد استشارة مجلس المنافسة.
أمّا المادة التي يتمسك بها “حماة المستهلك”، فهي الرابعة التي تنصّ على “إمكانية قيام الإدارة، بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابير مؤقتة، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة فقط، ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين”، لكن تنظيمات في مجال الاستهلاك تعتبر التفعيل “محنة مسطرية حقيقية”.
“طرافة لغوية”
أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، قال إن “المادة الرابعة تبدو مغرية، لكنها فضفاضة ولم تحدد كيف يمكن للحكومة التدخل”، مسجلاً أن “هناك صعوبة كبيرة في تنفيذ هذه الخطوة، مما يجعل تدخل السلطة مسألة غير ممكنة التطبيق؛ فليست هناك إمكانيات واضحة لكيفية هذا التدخل العمومي في أسواق حرّة، ولا الجهة الحقيقية التي ستقوم بالأمر، وإذا قلنا ستتدخل السلطة التّنفيذية فهل سيكون ذلك على المستوى الجهوي أو الوطني؟”.
وفي قراءته لمشكلة الأسعار في الأسواق، أبرز بيوض أن “الأساسي هو تفعيل المراقبة”، وأنه “لو كانت لدينا مراقبة فعلية وأسواق نموذجية مؤهلة لما كنا في حاجة إلى المادة 4 لتكون مُدرجة. حينها سيكون مسار المنتوج معروفاً وستبقى السوق حرة والأثمنة في وضعية منافسة”، مشيرا إلى أن الأخيرة “تعيشُ بدورها محنة، فهناك سعر موحد لمنتوج غير منصوص عليه في أي لافتة. ثمّة تواطؤ واضح ينبغي التخلص منه”.
وأفاد المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، أن “نداءات تفعيل المادة التي تتيح للحكومة التدخل يمكن استثمارها في اللغة، أما الواقع فهو شيء آخر”، مشيراً إلى أن “صلاحية الحكومة ينبغي أن تكون واضحة لأنّ الغلاء فاحش ومطروح في الواقع، وهو ما يحتم علينا أن نحدد بحسم هل نحن في سوق حرّة أو لا”. وأوضح أن “العيب ليس في حرية الأسعار، بل في توزيع السوق المغربية، التي هي سوق غير منظمة، والمنتوجات غير المصنّعة غير منصوص على مصدرها ومراحل تشكلها”.
“تفعيل أساسي”
في حين لم يتفق عبد الكريم الشافعي، نائب رئيس “الجامعة المغربية لحماية المستهلك بالمغرب” ورئيس “الفيدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس- ماسة”، مع بيوض فيما قاله، حيث دفع بكون “الزيادات الفاحشة التي تطبع المواد الاستهلاكية هذا الصيف تستدعي تدخلا للحكومة وفقا لاختصاصاتها المنصوص عليها في المادة المذكورة أعلاه”، مشيرا إلى أن الأسعار الرائجة ليست في مستوى القدرة الشرائية لشرائح كثيرة من المجتمع المغربي، خصوصا المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم البيضاء والحمراء والأسماك”.
وأضاف الشافعي، في إفادات قدمها لهسبريس، أن “حرية الأسعار والمنافسة تكون مقبولة حين تكون شريفة خارج أفق تحرك الوسطاء والسماسرة الذين يضيفون كلفة أخرى”، مبيناً أن “قطاعات كثيرة تلجأ إلى النقاش بخصوص تحديد الأسعار، ورغم أن هذا يتم بشكل غير معلن فآثاره واضحة على المستهلك”. وتابع قائلا: “لقد تحوّل هذا الصيف إلى قلق متواصل من الناحية الاستهلاكية بسبب أسعار فاحشة في قطاعات عديدة”.
وأبرز أنه “في ظل تنامي الاحتكار وجب البحث عن حلول حقيقيّة لكي لا يتفاقم هذا الضرر الذي يستهدف المواطنين في كل فرصة يجدها المهنيون مناسبة لتحقيق مداخيل غير مستحقة”، مشددا على “ضرورة القضاء على الوسطاء بالنظر إلى تدخلهم المعروف في سلسلة إنتاج القيمة، التي تكون في معظم الأحيان مساهمة في الرفع من الأسعار، فضلا عن الاختباء وراء ذريعة ارتفاع أثمان المواد الأولية”.


