بعد أن ظلت المشكلة واقعا أشارت إليه تقرير صادرة عن مؤسسات وطنية، يبدو أن وزارة التجهيز والماء بدأت أجرأة توصيات القضاء على توحل عدد من سدود المملكة، إذ انخرطت وكالاتُ بعض الأحواض المائية في برمجة أنشطة لإزالة الأوحال من هذه المنشآت السدّية.
وفي هذا الصدد صادقت إدارة الحوض المائي لملوية مؤخرا على اتفاقية تهدف إلى إزالة الأوحال من سد “تطيوين” بما يصل إلى 2,6 مليون درهم، بشراكة بين عدد من الفاعلين المؤسساتيين الإقليميين والجهويين، بما يتأطر ضمن “سعي وزارة التجهيز والماء إلى محاربة توحل السدود”.
ويُقلّصُ توحل السدود على مستوى المملكة من القدرات التخزينية لهذه المنشآت، على اعتبار أن هذه الإشكالية تحرم المملكة من 70 مليون مكعب سنويا من المياه؛ الأمر الذي اعترفت وزارة التجهيز والماء بوجوده، مؤكدة في كل وقت أنها تتدارس ما سيتم القيام به، ومسجلة ضرورة تجهيز ميزانيات ضخمة لهذه العملية.
وتتعالى بين الفينة والأخرى الأصواتُ من أجل تسريع وتيرة إزالة أوحال عدد من سدود المملكة في ظل وجود عدد من هذه المنشآت التي تعرف الشح الكامل، بما فيها سد المسيرة. وخبراء البيئة بدورهم يدافعون عن هذا الطرح من أجل استغلال فترة الصيف الحالية قبيل بداية فصل الشتاء، رغم كون العمليات تستغرق مددا زمنية مطولة.
عبد السلام الراوضي، اختصاصي في البنيات التحتية والهيدرولوجية، أفاد بأن “عملية تنقية السدود ليست بالسهلة كما يتصورها البعض، فمباشرتها يجب أن تنطلق من توفير مناطق خاصة لاستيعاب الأوحال، التي تقدر عادة بالأطنان”.
وثمّنَ الراوضي، في تصريح لهسبريس، “التوجه المغربي نحو تخفيض نسب التوحل بعدد من سدود المملكة، لما لذلك من شأن في ربح ملايين مكعبة من المياه التي تهطل سنويا، وتتجه صوب البحار عادة بدل أن تستفيد منها المناطق التي تتواجد بها السدود”، مسجلا أن “تنقية بعض السدود كل سنة من الأوحال أمر مهم لتفادي هذه الإشكالية التي أشارت إليها عدد من التقارير الوطنية”.
وبيّن المتحدث ذاته أنه “يجب أن يتم الانخراط في إنجاز دراسات ذات بعد وطني، مع تحديد خصائص كل سد بطبيعة الحال، فضلا عن التوجه نحو القطع مع الانزلاقات الترابية بعدد من الدوائر المحيطة بالسدود حتى تكون التدخلات الميدانية التي يمكن أن تعرفها هذه السدود مجدية وفعالة لربح المزيد من المياه”.
ومن موقعه كخبير في السياسات المائية لفت عبد الرحيم الهندوف بدوره إلى أن “قضية التوحل يجب أن تكون ذات مقاربة شمولية، إذ إن القضاء على المشكل بالمملكة ككل وفي مدة وجيزة أمر غير ممكن، لأن هنالك اختلافا تقنيا بين سدود البلاد، باختلاف نسب الوحل بكل واحد منها”.
وأكد الهندوف لهسبريس أن “معالجة موضوع التوحل يجب أن تنطلق أساسا من معالجات الأسباب؛ فهذه الظاهرة تنطلق أساسا من ارتفاع نسب انجراف التربة بمحيط سدود المملكة، وهو ما يرجع بدوره إلى تراجع نسب الغطاء الغابوي، بما فيها الأشجار التي تساهم في تثبيت التربة وحمايتها من الانجراف”، مبرزا “عدم إمكانية إيقاف جميع السيول المطرية عبر السدود لأن ذلك سيخل بالتوازن البيئي”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “التوحل بالسدود لا يمكن القضاء عليه نهائيا، فهو ظاهرة متجددة ومستمرة لا يمكن وقفها كليا، بل يمكن أن يتم التقليص منها لمدة معينة، وبالتالي فإعادة تهيئة السدود أمر مهم لكنه يجب أن يكون مواكبا لإعادة النظر في الأسباب التي قلنا إن من بينها انجراف التربة بالدرجة الأولى”، موضحا أن “القيام بتهيئة السدود بدون القطع مع الأسباب لن يعطي ثماره، لأن المسألة تقنية بامتياز وبمثابة معادلة حسابية”.