تنطلق عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 ابتداء من فاتح شتنبر المقبل وستسمر إلى غاية الثلاثين من الشهر ذاته؛ غير أنه مع اقتراب هذه العملية التي يعرفها المغرب كل عشر سنوات يزداد الكلام بشكل كبير حولها وعن أهدافها والمراد منها تحديدا، بما فتح الباب أمام تناسل عدد من المعطيات غير الدقيقة في صفوف الفئات البسيطة التي تستفيد أساسا من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر.
وتروج هذه الفئات، خلال هذه المرحلة السابقة على انطلاق عملية الإحصاء بشكل رسمي، لأطاريح غير دقيقة تفيد بأنه “من الممكن أن يكون تزويد الجهات المشرفة على العملية بمعطيات صحيحة خطوة أولى للإقصاء من الدعم الاجتماعي المباشر بعد أن يكون قد تم تحيين المؤشر والرفع من قيمته”؛ وهو ما أطلق نداءات متفرقة من أجل أن يكون هناك تدخل للمندوبية السامية للتخطيط عبر وصلات للتوضيح، ونفي كل ما هو شائع ويمكن أن يؤثر سلبا على دقة المعطيات المرتقب جمعها من المواطنين.
في هذا الإطار، أوضح أكاديميون وخبراء في مجال الاقتصاد أن “الربط بشكل مباشر بين المشاركة في الإحصاء وبين “الإقصاء” المرتقب من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر يعد خطأ منهجيا، على اعتبار أن الإحصاء يظل عملية شاملة أكبر من أن تشمل الفئات البسيطة فقط؛ بل تستهدف الشرائح المغربية ككل وتساهم في توفير معطيات خامة لبناء سياسات عمومية للمستقبل”، مبينين أن “العملية الإحصائية بالعكس يمكن أن تكشف وجود فئات ربما تستحق الدعم المباشر ولا يمنح لها حاليا، خصوصا مع وجود كماليات بالأمس غدت اليوم من الأساسيات”.
بوابة لتجويد للسياسات
تفاعلا مع الموضوع، قال زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس، إن “هذه المسألة عرفت كلاما كثيرا وعددا من الشائعات التي أخرجت مبادرة الإحصاء من سياقها الطبيعي وجوانبها العلمية والإجرائية المتعارف عليها بمختلف الدول، إذ إنها في نهاية المطاف عملية تساهم في تحيين المعلومات الديمغرافية والسوسيواقتصادية بالنسبة للمواطنين المغاربة القاطنين بالتراب الوطني”.
وأضاف فيرانو، في تصريح لهسبريس، أن “العملية الإحصائية تظل السبيل إلى توفير مختلف المحددات الاقتصادية التي تبنى على أساسها القرارات الوطنية والسياسات العمومية، حيث يتم تحيين مختلف المعطيات التي تتوفر عليها إدارات الدولة، على اعتبار أن الارتباط بنتائج إحصاء 2014 إلى حدود الساعة أمر غير مجدٍ اقتصاديا واجتماعيا؛ بالنظر إلى التطورات التي عرفها المغرب”.
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد: “المؤشر الاجتماعي في نهاية المطاف غير ثابت في الزمان وليس جوهر العملية الإحصائية؛ فهنا نشير إلى أن ما هو كمالي اليوم ويمكن أن يحرم فئات من الدعم الاجتماعي سيكون خلال السنوات المقبلة من الأساسيات، بما ينهي الجدل بهذا الخصوص؛ فالإحصاء أعمق من المؤشر الاجتماعي لكونه يرتبط بالسياسات العمومية ككل”.
وشدد المتحدث على “وجوب وجود تفاعل بين المواطنين وبين الجهات المشرفة على عملية الإحصاء التي يرتقب أن تعطينا نظرة حقيقية عن المستوى المعيشي للمغاربة؛ فمن المنتظر أن نكشف، على سبيل المثال، منسوب تغير البنية الاجتماعية المغربية. كما يمكن أن نجد، مثلا، أن الطبقة المتوسطة لوحدها تنقسم إلى فروع”.
كما ذكر فيرانو أن “من حق المواطن طرح التساؤلات بخصوص عملية الإحصاء؛ لكن يجب عدم الخلط بين المرحلة الأولى من هذه العملية والتي ترتبط بإدراك الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمملكة وبين المرحلة الثانية التي تتعلق بكيفية تدبير نتائج العملية وكيفية استثمارها. وفي هذا الإطار، أكد الملك أن الإحصاء سيكون أساسا للسياسات العمومية؛ وهو ما يمكن كذلك أن يساهم في تطوير السياسات الراهنية، بما فيها مسألة الدعم والمحددات التي تبنى عليها”.
عملية شاملة
قال الطيب أعيس، خبير اقتصادي ومحلل مالي، إن “الإحصاء هي، في نهاية المطاف، عملية شاملة تساهم في توفير عدد من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية، في وقت تدرك الدولة المعطيات التفصيلية التي تمكن من منح مؤشر لكل فرد أو رب أسر؛ وبالتالي فهي لا تحتاج إلى عملية إحصائية من هذا النوع من أجل تغيير مؤشرات بعينها”، لافتا إلى أن “الإحصاء ممارسة متعارف عليها بالمغرب كل عشر سنوات، حتى قبل وجود إجراءات الدعم الاجتماعي المباشر والمؤشرات الاجتماعية”.
وأوضح أعيس، في تصريح لهسبريس، أن “الإحصاء يشمل مختلف الشرائح المجتمعية، وليس فقط المستضعفة فقط أو بالأحرى المستفيدة من الدعم الاجتماعي المباشر؛ فبالفعل هناك مشاكل في تحديد الفئات المستفيدة من هذا الدعم، وهناك شروط يجب أن تعالج ويجب عدم إقصاء طرف منه نظير توفره على ما يعتبر اليوم من الأساسيات بعدما صار في وقت سابق من الكماليات”، موردا أنه “بالعكس، يمكن أن يكون الإحصاء بابا لتجويد عملية منح الدعم لمستحقيه وتوسيع قاعدة المستفيدين كذلك”.
وزاد الخبير الاقتصادي والمحلل المالي: “الجزم بوجود ارتباط مباشر بين الدعم الاجتماعي المباشر وبين الإحصاء غير صحيح؛ لأن الإحصاء عملية شاملة ترصد حالة الاقتصاد والمجتمع المغربييْن. ومن المفروض هنا أن تكون هناك توضيحات وعمليات تحسيسية من قبل المندوبية السامية للتخطيط للمواطنين، بما يضمن وقف الإشاعة والمعطيات غير الدقيقة”.
وختم الطيب أعيس بالقول إنه “من الصعب الجزم بأن مشاركة أسرة في عملية الإحصاء يمكن أن يحرمها من الدعم الاجتماعي بشكل مباشر”.