يبدو أن قضايا وملفات الفساد لم يسلم منها أي قطاع من القطاعات الحيوية في البلاد، إذ إن متابعة قاضٍ من مدينة تطوان ومحامين في حالة اعتقال، بتهم تتعلق بالتلاعب في قضايا وملفات بالمحكمة وتلقي رشاوى، أثارت موجة من التساؤلات حول واقع الفساد.
فبعد سقوط سياسيين ومنتخبين وأمنيين، جاء الدور على منظومة العدالة التي يفترض أن تكون بعيدة كل البعد عن هكذا قضايا وملفات من شأنها إلحاق ضرر بليغ بصورة العدالة واستقلال القضاء، وتسائل مدى الاستفادة من هذه الاستقلالية.
في تعليقه على الموضوع، يرى المحلل السياسي محمد شقير أن مسألة استقلالية القضاء تعتبر من بين “الإشكاليات الأساسية التي تعاني منها منظومة الحكم بالمغرب”، مسجلا أن توظيف جهاز القضاء في الصراعات السياسية، خاصة في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي “كثيرا ما أفقد القضاء الثقة الشعبية التي من المفروض أن يتمتع بها هذا الجهاز”.
وأضاف شقير، ضمن تصريح ، أن تورط القضاة في “عمليات فساد ورشوة”، خاصة بعد انتشار ظاهرة الاتجار بالمخدرات واستغلال النفوذ، أدى إلى “مزيد من التشكيك في نزاهة القضاء”.
ورغم تكريس دستور 2011 استقلالية القضاء، قال المحلل السياسي: “ما زال الكشف عن تورط قضاة في عمليات رشاوى وفساد وفضائح أخلاقية يعكس انتشار الفساد بين صفوف القضاة على الرغم من اتخاذ المجلس الأعلى للقضاء عقوبات تأديبية وزجرية كالعزل في حق بعضهم”.
وأشار المتحدث إلى أن متابعة قاضٍ في تطوان تعكس إلى حد ما “هذه الظاهرة التي أصبحت سلوكا لدى بعض القضاة الذين لا يرون في منصبهم إلا وسيلة للاغتناء السريع”، وفق تعبيره.
واعتبر أن نهج السلطات الأخير الرامي لتخليق الحياة السياسية، يفسر “الرغبة في الحد من الظاهرة، خاصة وأن جهاز القضاء هو الآلية التي ستمكن من إنجاح هذه العملية، شريطة تطهيره من مظاهر الفساد”، مشددا على أن استعادة ثقة المواطن في نزاهة القضاء تتطلب بالأساس “تنقية هذا الجهاز من كل مظاهر الرشوة التي تنخره، حيث ترسخ في الاعتقاد الشعبي أن كل قاض هو موظف مرتش إلى أن يثبت العكس، وأن كل قاض له شبكته من المحامين والوكلاء التي يتحكم من خلالها في القضايا المعروضة عليه”.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي إدريس قسيم أن اللافت للانتباه في فصول هذه المتابعات هو أنها تأتي بعد تدخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية باعتباره أعلى هيئة قضائية في المغرب، الذي أوفد “لجنة تفتيش إلى مدينة تطوان من أجل مراجعة الأحكام الصادرة بخصوص قضية [ولد الفشوش] وتداعياتها المتمثلة أساسا في سلوكيات تمس بشكل مباشر صورة القضاء المغربي”.
وسجل قسيم، في تصريح ، أن الأمر عندما يتعلق بـ”السمسرة في الأحكام القضائية أو التحكم فيها بشكل أو بآخر، أو بعض مظاهر الفساد الأخرى، فإن التدخل من أجل منعها وردعها يتجاوز بالتأكيد ما هو مسطري أو إجرائي إلى رغبة في الحفاظ على استقلال ونزاهة القضاء من جهة، وبناء الثقة في المؤسسة القضائية من جهة أخرى”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن سوء السلوك القضائي من الإشكالات الكبرى التي واجهتها المؤسسة القضائية في المغرب، ولا يمكن إنكار ذلك، مؤكدا أن هذه القضية “محكومة وموجهة إلى حد بعيد بهذا الهدف”.
وزاد قسيم مبينا أن النقاش حول هذا الملف امتد إلى مطالبات مجتمعية بضرورة “إخضاع السلوكيات التي تتحدى وتتجاهل السلطة العمومية والنظام العام إلى سلطة القضاء، الذي يفترض أن يظل محصنا وبعيدا عن الانفلاتات التي قد تمنعه من الاضطلاع بهذه المهمة”، وفق تعبيره.