14 C
Marrakech
mercredi, décembre 3, 2025
spot_img

ذات صلة

جمع

مرسيليا يتمسّك بأكراد قبل مواجهة موناكو الحاسمة

يسعى نادي مارسيليا إلى الإبقاء على مدافعه نايف أكراد...

صاحب الجلالة الملك يهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى...

تكريم الفنانة راوية في مهرجان مراكش الدولي للفيلم

شهد مهرجان مراكش الدولي للفيلم، مساء الثلاثاء، تكريمًا...

تعزيز التعاون المائي بين المغرب وهولندا

شهدت مدينة مراكش اجتماعاً مهماً جمع خبراء ومؤسسات وشركات...

إعادة انتخاب المغرب في مجلس المنظمة البحرية الدولية

أُعيد انتخاب المملكة المغربية لعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية...

مشاريع تحلية مياه البحر بآسفي .. ثورة تكنولوجية لضمان الماء الشروب


لطالما كانت الأمثال الشعبية المغربية بليغة في وصف أحوال البلاد والعباد، وطيعة في تحميلها أكثر من معنى وإسقاطها على ما جدّ من وقائع وطوارئ؛ وبالتالي، فالمثل القائل: “جغمة من البحر.. ولا جميل الواد” عاد ليتجاوز دلالات عزة النفس والكرامة والاعتراف بالجميل إلى الانتصار لتكنولوجيا ثورية، حوّلت مياه البحر إلى موارد صالحة للشرب بجودة عالية، تفوقت على تلك المنتجة من مصادر طبيعية، مثل المياه الجوفية والأمطار. يتعلق الأمر بمحطات صناعية لتحلية مياه البحر ما فتئت تتناسل في أكثر من جهة وإقليم، وتتمركز حلا بالنسبة إلى المملكة، بعد دخولها في سادسة سنة جفاف على التوالي.

ووجد إقليم آسفي، الذي يتوفر على واجهة بحرية بطول 16 كيلومترا، ضالته في مياه البحر لتأمين احتياجات 308 آلاف و506 نسمة من الماء الصالح للشرب، بعد تسبب توالي سنوات الجفاف في نضوب الفرشة المائية وتراجع موارد المياه الطبيعية إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصا في سد المسيرة المزود الرئيسي السابق للإقليم.

وأمام هذا الوضع، تمركزت الشراكة بين القطاعين العام والخاص حلا لمواجهة مشكل الإجهاد المائي، موضوع استراتيجية ورؤية مليكة واضحة، يجري تتبع تنفيذها في جلسات العمل حول الماء التي يرأسها الملك محمد السادس بشكل منتظم، إلى جانب عمل اللجان الإقليمية لليقظة للحد من آثار الإجهاد المائي وتأخر التساقطات المطرية.

ويواجه إقليم آسفي، المنتمي إلى جهة مراكش آسفي وفق التقسيم الجهوي الجديد، تحديات متجددة يوميا، من أجل تلبية حاجيات سكان المدينة والدوائر والجماعات التابعة من الماء الصالح للشرب، من خلال محطة ضخمة لتحلية مياه البحر تحت تدبير مجمع المكتب الشريف للفوسفاط OCP التي تراهن على إنتاج 30 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب سنويا، بالإضافة إلى ثلاث محطات أخرى أصغر حجما تحت إشراف وزارة الداخلية وتسيير الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بأسفي RADEES؛ اثنتان منها يغطيان شمال الإقليم (تحديدا بجماعتي البدوزة وأيير)، وثالثة تغطي الجنوب (جماعة المعاشات).

تعبئة الصهاريج و”المطفيات”

لم يمنع القيظ سكان دوار أولاد خلف الله بجماعة أولاد سلمان التابعة لدائرة كزولة نواحي آسفي، من التحلق حول الشاحنة الصهريجية الوافدة عليهم من محطة تحلية مياه البحر بجماعة المعاشات القريبة، حيث حرصوا على تتبع عملية تعبئة الصهريج البلاستيكي الضخم الذي عممته وزارة الداخلية على جميع الدواوير بالإقليم، لغاية ضمان تزودهم بالماء الصالح للشرب بشكل مستمر.

الكل يتأمل صبيب المياه وعلامات الامتنان بادية على وجوههم، بعدما عانوا لفترات طويلة من شح مياه الشرب وصعوبة الولوج إليها، خصوصا في ظل التضاريس الصعبة بالمنطقة، التي تمثل تحديا لوجيستيا مهما.

بالنسبة إلى عبد العزيز غويزة، مستفيد من سكان الدوار، فتوفير صهاريج لتعبئة الماء الصالح للشرب المجلوب من محطة تحلية مياه البحر بجماعة المعاشات مبادرة طيبة من السلطات المحلية.

وقالل إن المياه المتوفرة صالحة للشرب والاستعمال المنزلي وتتميز بجودة عالية مقارنة مع تلك المتاحة سابقا، لافتا إلى أن “جميع مناطق المملكة معنية بندرة المياه، والموارد المتأتية من محطات التحلية مكنت من سد الخصاص بالنسبة إلى دوار أولاد خلف الله”، مشددا إلى تبدد المخاوف التي ساورت السكان خلال الفترة الماضية حول جودة المياه المحلاة، خصوصا ما يتعلق نسبة الملوحة والشواب.

وأبرز المتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية أن الوضع تغير الآن، بعدما تعرف المستهلكون على المنتوج وتأكدوا من جودته وسلامته.

الصهريج المخصص لتعبئة المياه الصالحة للشرب يغطي حاجيات سكان الدوار، الذي يحتضن حوالي 20 أسرة، لفترة تتراوح بين سبعة أيام وعشرة، باعتبار تخصيص هذه المياه للشرب بشكل أساسي؛ فيما يجري استخدام “المطفيات” أيضا للتزود بمياه الاستعمال المنزلي.

من جانبه، أكد عبد النبي زكيدة، أحد سكان الدوار والقائم على حراسة الصهريج، أن الوضع كان “كارثيا” قبل التمكن من التزود بالمياه من محطة “المعاشات”.

وأوضح زكيدة أن الثلاث سنوات الماضية شهدت تفاقم تداعيات الجفاف وتزايد الاعتماد على “المطفيات”، مشيرا إلى أن الوضع تغير اليوم نحو الأحسن، حيث يحصل السكان على مياه بجودة عالية مجانا، في الوقت الذي كان يكلفهم التزود بها 50 درهما للطن.

محطة التحلية “المعاشات”

قبل وصولها إلى دوار أولاد خلف الله وغيره من دواوير إقليم آسفي مترامي الأطراف، تنتظر الشاحنات الصهريجية المدبرة من قبل مصالح الإنعاش الوطني بالإقليم دورها للتزود بالماء المعالج من قبل محطة تحلية مياه البحر بجماعة المعاشات منذ الساعات الأولى من الصباح، قبل أن تشق كل شاحنة طريقها نحو وجهتها المحددة بعناية.

وفي هذا الصدد، أوضح المسؤولون عن التنظيم اللوجستي لعملية توزيع المياه أن ملء الصهاريج الخاصة بكل منطقة يجري تحت الطلب والحاجة المتوقعة، حيث يلعب أعوان السلطة دورا مهما في هذا الشأن، من خلال مراقبة مستوى المياه وربط الاتصال بالمحطة عند الحاجة إليها بشكل منتظم.

وإذا كانت مساحة محطة تحلية مياه البحر بجماعة المعاشات، المصنفة ضمن فئة 10 لترات في الثانية، صغيرة مقارنة مع المحطة المركزية للتحلية بآسفي، المدبرة من قبل مجمع المكتب الشريف للفوسفاط؛ فإن تأثيرها كبير وقدراتها الإنتاجية في تقدم مستمر، بفضل اعتمادها على منظومة تزود بمياه البحر انطلاقا من مسارات تحت أرضية؛ ما يسمح بالحصول على موارد مائية بمنسوب أقل من الجزيئات العالقة (الطحالب والحطام وغيرها) خلال مرحلة الترشيح والتصفية الأوليين la filtration، التي تسبق عملية المعالجة داخل المحطة.

وفي هذا السياق، أكد ياسين الملياري، رئيس قسم الماء والتطهير السائل نائب المدير العام للوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بآسفي RADEES، أن هذه المحطة واحدة من ثلاث محطات مدمجة ومتنقلة في آسفي، جرى إنجازها بتكلفة استثمارية بلغت 36 مليون درهم، بتمويل رئيسي من قبل وزارة الداخلية، في إطار البرنامج الاستعجالي لمكافحة آثار الإجهاد المائي وندرة التساقطات المطرية.

وأوضح الملياري أن هذه المحطات تعتمد على تقنية التناضح العكسي OSMOSE INVERSE التي أثبتت فعاليتها في إنتاج مياه صالحة للشرب بجودة عالية، مشيرا إلى أنها موزعة جغرافيا على ثلاث جماعات؛ هي أيير والبدوزة والمعاشات، فيما تصل سعتها الإنتاجية اليومية إلى 1800 متر مكعب، ما يغطي الحاجيات اليومية لحوالي 45 ألف نسمة.

وأكد نائب المدير العام للوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بآسفي أنه تم، منذ دخول محطات التحلية حيز التشغيل خلال السنة الماضية، توزيع ما مجموعه 38 مليون لتر بواسطة شاحنات صهريجية اقتنتها وزارة الداخلية لهذا الغرض؛ إلا أن عمليات الإنتاج والتوزيع تخضع لتوجيهات وتوصيات لجنة اليقظة الإقليمية المكلفة بتدبير أزمة الإجهاد المائي، تحت رئاسة عامل إقليم آسفي.

وأفاد المسؤول ذاته بأنه “بهدف تحسين ورفع حجم المياه الموزعة، سيتم ربط المحطات المذكورة بشبكة الماء الصالح للشرب، في إطار إنجاز مشروع مهم، سيمكن من توفير الموارد المائة وتحسين الظروف المعيشية، وسيهم بناء 12 محطة لإزالة المعادن من المياه الجوفية بـ12 جماعة تابعة للإقليم، بكلفة مالية تصل إلى 120 مليون درهم، ويتيح تغطية حاجيات 97 ألف نسمة”.

معايير جودة المياه

لا يختلف تصميم محطة تحلية مياه البحر المركزية بآسفي كثيرا مع المحطات الثلاث الصغيرة المشار إليها سوى في الحجم والطاقة الإنتاجية، علما أنهم يعتمدون التكنولوجيات ومساطر المعالجة ذاتها، حيث تستخرج مياه البحر من المحيط مباشرة، وتمر عبر عملية الترشيح والتصفية لإزالة الجزيئات العالقة، قبل المرور إلى المرحلة الرئيسية المتعلقة بالتناضح العكسي، التي تؤدي إلى فصل الملح والشوائب عن الماء، عن طريق أغشية Membranes، قبل أن يتم ضغط الماء غبر الأغشية؛ ما يترك أيونات الملح محاصرة، الأمر الذي يسهل تمرير المياه الصافية عبرها، التي يضاف إليها بعض المعادن فيما بعد، لغاية تحسين جودتها ومذاقها، ثم الكلور لتطهيرها قبل التوزيع.

وفي جولة بالمحطة المزودة للوكالة المستقلة للتوزيع الجماعي للماء والكهرباء RADEES، تظهر قيمة الاستثمارات المرصودة من أجل تأمين إنتاج مياه صالحة للشرب بجودة عالية.

زكرياء عاشيق، مسؤول محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة بالمجمع الشريف للفوسفاط بآسفي، قال إن المغرب شهد، منذ 2018، حالة جفاف، بلغت ذروتها في 2022؛ ما جعل الوضع المائي في حوض أم الربيع حرجا للغاية.

وأوضح مسؤول محطات تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة بالمجمع الشريف للفوسفاط بآسفي أنه لمواجهة هذه الأزمة، قامت الدولة، من خلال وزارة الداخلية، بالاستعانة بالمجمع الشريف للفوسفاط، انطلاقا من خبرته في تنفيذ المشاريع الكبرى، وخاصة تحلية مياه البحر، ليقوم عبر فرعه OCP Green Water وبالتحرك منذ النصف الثاني من السنة ما قبل الماضية، لتنفيذ مشروع لتحلية المياه في مدينة آسفي؛ ما ساهم في توفير 40 مليون متر مكعب من الماء سنوياً، منها 15 مليون متر مكعب موجهة للمدينة.

ولفت عاشيق إلى أن هذه القدرة سمحت بتزويد المدينة بالماء تدريجيا منذ غشت 2023، وتغطية 100 في المائة من احتياجاتها منذ فبراير الماضي، على أساس بلوغ إنتاج 30 مليون متر مكعب سنويا بحلول 2026.

وشدد المسؤول ذاته على أن المياه المنتجة من المحطة تسوق بالسعر ذاته دون تغيير، وتتميز بجودة عالية تشهد عليها التحليلات المخبرية التي تخضع لها طيلة مسار الإنتاج.

وتتألف المحطة من مسار إنتاج تتخلله مجموعة من العمليات، يفصلها أحمد بولعيون، مسؤول عن وحدة تصفية مياه البحر بالمجمع الشريف للفوسفاط بآسفي، بالتأكيد على أن العملية تبدأ بضخ مياه البحر من المصدر مباشرة إلى محطة التحلية، قبل تمرير هذه المياه عبر فلاتر السيراميك لإزالة الشوائب الكبيرة والعوالق الصلبة، ثم إخضاعها بعد ذلك لمرحلة ترشيح إضافية باستخدام فلاتر الأقراص والمرشحات الكارتوشية للتخلص من الشوائب الدقيقة.

وأشار بولعيون إلى أن أهم مرحلة في المسار تتعلق بالتناضح العكسي، حيث يتم ضغط المياه عبر أغشية خاصة تعمل على فصل الأملاح والمعادن الذائبة، ما ينتج عنه ماء عذب؛ فيما يتم إعادة تمعدن المياه المنقاة لضمان توازنها وملاءمتها للاستهلاك البشري، والانتقال بعد ذلك إلى ضخ الماء الصالح للشرب إلى شبكات التوزيع المحلية لتصبح متاحة للسكان المستفيدين.

وتنتظر محطة تحلية مياه البحر آسفي تحديات مستقبلية، مع توقيع الحكومة في 5 يوليوز من السنة الماضية على مذكرة تفاهم وعقد امتياز مع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، يتعلق بخطة طوارئ لإنتاج المياه الصالحة للشرب عن طريق تحلية مياه البحر لصالح مرافق آسفي والجديدة، علما أنه تم إنشاء تم إنشاء “محطة آسفي” بهدف توفير 10 ملايين متر مكعب من المياه في 2023، على أن يرتفع هذا الحجم إلى 15 مليون متر مكعب في 2024 و2025، ثم إلى 30 مليون متر مكعب بحلول 2026.

spot_img