صعَّدت السيول الجارفة التي اجتاحت، إثر زخات مطرية رعدية، عدة أقاليم ومناطق نائية في الجنوب الشرقي والأطلس المتوسط، خلال نهاية الأسبوع، حدَّة مطالب فعاليات مدنية طالما نادت بـ”سياسة عمومية” تُلائم الجبل كمجال جغرافي ذي خصوصيات، بما يضمن إنصاف ساكنته أيضًا.
“سيول غشت”، التي تقول الساكنة المحلية إنها اعتادتها مع اشتداد حرّ كل صيف، حرّكت حجراً ثقيلا في بِركة إشكالية هشاشة البنيات التحتية الأساسية بهذه الأقاليم النائية، خاصة ذات الطبيعة الجبلية، رغم المجهودات الرسمية المبذولة على مدار السنوات الماضية، لا سيما تلك التي تم اعتماد مبالغ لها في برامج مندمجة للتنمية القروية.
كما كشفت طرق التعاطي مع السيول الجارفة، التي فاجأت الساكنة القاطنة بتلك المناطق، “محدودية/ ضُعف” التدخلات اللازمة لإنقاذ الأرواح أو الاستفادة من مياه السيول، وكذا من أجل تجنب المزيد من الخسائر المادية، سواء في محاصيل المزارعين أو ممتلكات المواطنين القاطنين بدواوير نائية.
“تعرية الهشاشة”
عمر أوزياد، فاعل مدني بإقليم أزيلال، أحد الأقاليم التي تضررت من السيول الرعدية الغامرة، أكد أن “تكرار وتواتر مثل هذه الكوارث الطبيعية يجلُب مساءلة سياسات عمومية في مختلف القطاعات العمومية الوصية”، خاصة أنها “عرَّت بنيات تحتية أساسية هشّة، مما يصعّب مهام تدخل السلطات الترابية المختصة في حالة طوارئ تستدعي تدخلات مستعجلة”.
وتابع أوزياد، متحدثا إلى جريدة هسبريس، أن “الساكنة في إقليم أزيلال ومناطق عديدة بجهة بني ملال خنيفرة فقدَتْ ما تملك من قطعان الماشية ومحاصيل زراعية أتلفتها السيول المفاجئة الغامرة، التي وإنْ اعتدناها بشكل دائم في الصيف، لكنها تدمّر البنيات والممتلكات في وقت وجيز، كاشفة عن هشاشتها أو تردّيها”.
وضرب الفاعل المدني بالجهة المثل بإحدى القناطر الطرقية التي انهارت بفعل التساقطات الأخيرة رغم أنها حديثة التشييد، قائلاً إن “الدراسات قبل إنجاز هذه القنطرة لم تُراعِ خصوصية المناطق الجبلية والمرتفعات النائية ومنحدرات الوديان التي تعود للجريان على حين غرّة”، مشددا على مطلب متجدد بالإقليم هو “مراقبة دقيقة لجودة إنجاز وتهيئة الطرق والمسالك القروية عبر لجان تتبع ومراقبة مختصة”.
في السياق ذاته أثار الناشط المدني ذاته ما وصفها بـ”المسؤولية العمومية تجاه الجبل وساكنته”، قائلا إن “بعضَ المناطق النائية في إملشيل، مثلاً، لا تصلها إشارة شبكة الهاتف (الريزو)، رغم أن السكان متعاقدون مع شركات الاتصالات عن طريق أرقام، لكنهم زبناء دون أي اهتمام ولا خدمات في مستوى باقي المناطق”، مضيفاً “حتى في حال إصدار نشرات إنذارية استباقية كيف يمكننا إخطار القاطنين هناك في ظل انعدام “الريزو” في الهواتف.. يتبقى فقط دور الإعلام الذي يجب أن يصل إلى هؤلاء عبر مخاطبتهم بالأمازيغية فقط”.
ولفت إلى أن الساكنة المحلية طالما اعتبرتْ أن “جلب التنمية والاستثمارات إلى المنطقة مجرد حُلم متوقف على تطور وتقوية البنية التحتية في المستوى المطلوب أو الحد الأدنى على الأقل”، مجدداً رفع “مطلب تسريع إصدار قانون خاص أو تشريع يعتني بالجبل مراعاةً للخصوصية الجغرافية لكل منطقة”.
سياسات منصفة للجبل
بدوره، شدد المنسق الوطني لـ”الائتلاف المدني من أجل الجبل”، محمد الديش، على المطلب الذي انتهى إليه الفاعل المدني بجهة بني ملال خنيفرة، قائلا: “كنا نستحضر دائماً ضرورة اعتماد سياسات عمومية منصفة وملائمة للجبل لحمايته وكذا لإنصاف ساكنته”.
وأضاف الديش، في تصريح لهسبريس، “من المعلوم أن التساقطات الأخيرة وما ترتب عنها من فيضانات وسيول تأتي في سياق الجفاف الذي عرفه المغرب للسنة السادسة على التوالي”، مبرزا أنها “عادة ما تأتي بشكل فجائي، غير أنها تُسبّب أضرارا كبيرة”، وأشار إلى أنه “يتم النظر إليها من زاويتين أو جانبين لحسن التعامل مع هذه النوعية من الكوارث”.
الزاوية الأولى، حسب الفاعل الجمعوي ذاته، تهم “الاستدامة والحفاظ على الموارد المائية في ظل هذه الأزمة المائية التي نعيشها”. قبل أن يضيف “إذن كان من المفروض وطالما طلبْنا داخل الائتلاف بإنشاء أو بناء منشآت مائية في أعالي الجبال يمكنها أن تحافظ على تخزين هذه السيول والأمطار لاستعمالها في الأعالي أو لاستعمالها في المناطق السافلة من النهر”، معتبرا أن “هذا فيه أيضا حماية للناس والحفاظ على الزراعات، التي تكون غالبا منتشرة في جنبات الوديان والأنهار والمجاري المائية”.
“الاستباق ليس بالإنذار فقط”
في مستوى ثانٍ للتدخل، يلفت الديش إلى “عدم كفاية أنظمة الرصد والاستباق بالإنذار عبر الأرصاد الجوية ونشرات إنذارية”.
وأبرز أن “هذا الجانب الاستباقي يتعين أن يشمَل أيضا التجهيزات ليندرج ضمن استراتيجية تدبير الأزمات أو الكوارث الطبيعية الطارئة”، معتبرا أن “نشرة إنذارية ليست كافية، بل من المفروض إنشاء تجهيزات ومعدات مثلما أوصت بذلك المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، خاصة في مؤتمرها بجنيف حول المناطق الجبلية والتغيرات المناخية، الذي أكد على ضرورة أجهزة الإنذار ووسائل الإنذار المتطورة، التي تحمي الساكنة المعرضة لهاته الفيضانات والسيول كي نتجنب على الأقل الخسائر البشرية وأيضا الخسائر في المواشي وغيرها”.
كما أثار مسألة “التعويض عن الأضرار التي لحقت بالفلاحين في عدد من المناطق الزراعية (إقليما ميدلت وتنغير وغيرهما)، مما كبدهم خسائر مادية، سواء في زراعاتهم أو في رؤوس الماشية التي يكسبون بها قوتهم”.
ودعا الديش إلى “استغلال أمثل لهذه الكوارث، بشكل استباقي، على شكل فرص لاستثمارها، وأيضا للحفاظ على تخزين المياه الناتجة عن السيول التي صارت ثمينة جدا، بحكم إمكانية تخزينها، فضلا عن بنيات تحتية ومنشآت أساسية تحمي المناطق السافلة من الفيضانات ومن الخسائر المادية والبشرية أيضا”.


