10 C
Marrakech
jeudi, décembre 4, 2025
spot_img

ذات صلة

جمع

مرسيليا يتمسّك بأكراد قبل مواجهة موناكو الحاسمة

يسعى نادي مارسيليا إلى الإبقاء على مدافعه نايف أكراد...

صاحب الجلالة الملك يهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى...

تكريم الفنانة راوية في مهرجان مراكش الدولي للفيلم

شهد مهرجان مراكش الدولي للفيلم، مساء الثلاثاء، تكريمًا...

تعزيز التعاون المائي بين المغرب وهولندا

شهدت مدينة مراكش اجتماعاً مهماً جمع خبراء ومؤسسات وشركات...

إعادة انتخاب المغرب في مجلس المنظمة البحرية الدولية

أُعيد انتخاب المملكة المغربية لعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية...

الزهراوي يبرز مرتكزات العقيدة الأمنية المغربية في مكافحة الظاهرة الإرهابية


قال محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن “الظاهرة الإرهابية باتت إحدى أخطر الجرائم التي تهدد استقرار الدول واستمراريتها”، مضيفا أن “المغرب كسائر الدول التي لم تسلم من هذه الجرائم، رغم تشبع المغاربة بثقافة الحوار والتسامح وقيم الانفتاح”.

وأكد الزهراوي، في مقال بعنوان “العقيدة الأمنية المغربية ومكافحة الظاهرة الإرهابية”، أن “المغرب عمل على بلورة استراتيجية متعددة الأبعاد والمستويات”، قبل أن يفصّل في المستويات الثلاثة الأساسية التي ارتكزت عليها العقيدة الأمنية المغربية لمحاصرة الظاهرة الإرهابية، وهي “المقاربة الاستباقية” و”تجفيف منابع التمويل” و”تقوية وتعزيز المقاربة الأمنية الدولية”.

نص المقال:

تعتبر ظاهرة الإرهاب إحدى صور العنف الميداني داخل الحياة الاجتماعية، كما يشكل مظهرا من مظاهر العنف ذي الطبيعة “اللاتمايزية”، حيث أنه لا يقيم تمييزا في استهداف ضحاياه، فالإرهاب يرتكز على عنصر المفاجأة والصدمة الفورية وعدم القدرة على التنبؤ بوقائع العنف ونتائجه.

وبالنظر إلى خطورة الجرائم الإرهابية على أمن الأفراد واستقرار الجماعة والدول، فإنها من أكثر الجرائم استئثارا بالاهتمام سواء من طرف المؤسسات الدولية أو الدول، لا سيما وأن الجريمة الإرهابية باعتبارها ظاهرة خطيرة تقوم على العنف والترويع وتهديد حياة الناس وإثارة الرعب في النفوس، وما يترتب على ذلك من فوضى واضطرابات وزعزعة ثقة الأفراد في قدرة الدول على حماية الأفراد وأمنهم واستقرارهم.

من هذا المنطلق، باتت الظاهرة الإرهابية أحد أخطر الجرائم التي تهدد استقرار الدول واستمراريتها، والمغرب بدوره كسائر الدول التي لم تسلم من هذه الجرائم رغم تشبع المغاربة بثقافة الحوار والتسامح وقيم الانفتاح.

وفي هذا السياق، شكلت الأحداث المأسوية والعنيفة التي شهدتها مدينة الدار البيضاء، في 16 ماي 2003، تحولا نوعيا ومنعطفا جذريا في تاريخ المغرب، مما دفع بالمملكة المغربية إلى إعادة النظر في طريقة تدبير المجالات الدينية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بغية التصدي ومحاصرة هذه الظاهرة.

فعلى مستوى العقيدة الأمنية، عمل المغرب على بلورة استراتيجية متعددة الأبعاد والمستويات، إن على مستوى تجفيف المنابع أو على مستوى الارتباطات الداخلية والخارجية للتيارات الدينية المتطرفة، وحتى على مستوى تشديد الرقابة على الوسائط التواصلية الجديدة (الأنترنيت، مواقع التواصل الاجتماعي…)، بالإضافة إلى ضبط وتوحيد المعلومة الأمنية من خلال خلق “بنك معلومات ومعطيات”، حول رموز ومريدي وأنصار الفكر الجهادي على مستوى التراب الوطني وخارجه.

وغداة التفجيرات الإرهابية، انقسمت الآراء واختلفت القراءات حول هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع المغربي، بينما فضل آخرون تسليط الضوء على الجانب العملياتي من الظاهرة، وانقسموا بين من طغت عليه قلة المعلومات وفوتت عليه فرصة معرفة البنيات العميقة لمجموعة صلات الظاهرة المحلية بالعالمية الإرهابية.

وقد ارتكزت العقيدة الأمنية المغربية على ثلاثة مستويات أساسية لمحاصرة الظاهرة الإرهابية:

أولا: المقاربة الاستباقية

اعتمدت مصالح الأمن المغربية للحد من تصاعد التهديد الإرهابي على نهج المقاربة الاستباقية من خلال تفكيك الخلايا سواء التابعة لتنظيم “داعش” أو غيرها من التنظيمات المحلية، حيث تقوم هده المقاربة على رصد وتتبع التحركات المشبوهة لجميع الأشخاص المعروفين بانتماءاتهم أو ميولاتهم المتطرفة، ففي سنة 2021 وحدها أوقفت مصالح الأمن المغربية، وبنسيق مع جميع الأجهزة الأمنية الخارجية والداخلية، ما لا يقل عن 55 شخصا مشتبها في تورطهم في إحدى عشرة عملية كانت تستهدف المغرب، الأمر الذي أدى إلى تفكيك هاته الخلايا في المراحل الأولى للتخطيط، حيث أن هاته المجموعات الإرهابية كانت تستهدف مجموعة من المباني العامة والشخصيات البارزة ومباني مصالح الأمن المغربية، وهو ما يوضح نجاعة أجهزة الأمنية في استباق العمليات الإرهابية، الأمر الذي جعل الصحافة الدولية تحتفي بهذا الإنجاز، حيث إن مختلف التقارير الدولية المتعلقة بالظاهرة الإرهابية العالمية، أقرت بأن المغرب قد عرف تراجعا مهما في ما يخص العمليات الإرهابية التي تستهدفه داخليا وخارجيا.

أما في ما يخص الجانب التقني/العملي/العملياتي، فقد اعتمدت المملكة البطاقة الوطنية الإلكترونية وجواز السفر البيومتري وذلك تحسبا ودرءا لكل خطر قد يأتي من وراء تزييف وتزوير هذه البطائق من طرف التنظيمات الإرهابية كما تم نشر عناصر عملية (حذر) في المواقع الحساسة.

كما مكنت المقاربة الاستباقية من اختراق الخلايا النائمة وقطع خطوط الاتصال بينها وبين باقي التنظيمات الجهادية محليا وإقليميا ودوليا. ويعتمد المغرب في مقاربته الاستباقية على هندسة وتشكيلات مؤسساتية وترابية وبشرية مكنته من ضبط الخريطة الجهادية داخليا وخارجيا.

ثانيا: تجفيف منابع التمويل

مع انتشار التيارات الدينية المتطرفة في سائر الأقطار، وفي إطار تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى نشر الرعب وإثارة الفوضى والتخريب وزعزعت استقرار الدول، فإن الجوانب المالية المتعلقة بالتمويل ونشر الأيديولوجية الجهادية، تعتبر من بين الركائز العملية والإجرائية من خلال الحصول على الأسلحة والدعم اللوجستي.

في المغرب، فأهداف ومخططات التيارات الجهادية هي محاولة تنصيب قاعدة خلفية على المستوى القطري، سواء من خلال توسيع قاعدتها البشرية واستقطاب أعداد متزايدة من التيار السلفي الجهادي، أما الأهداف المتوسطة المدى، فقد كانت ترتكز على استعمال الأسلحة المحجوزة في تنفيذ عملياتها الإرهابية ضد رجال الأمن وممثلي السلطة بالمغرب، ومحاولة استهداف مصالح بعض الدول الأجنبية بالمغرب.

اتسمت مصادر تمويل الخلايا المفككة بتحول نوعي، إذا لم تقتصر على تحويلات مالية من اتباع التنظيمات المحلية أو الدولية، أو عائدات العمليات التغريرية والفيء والاستحلال، وإنما قامت بعدة محاولات للسطو على المؤسسات المصرفية والبنكية مثل ما حدث في مارس 2010، لكنها باءت بالفشل، خاصة بعد التدابير الأمنية التي اعتمدتها مصالح الأمن والمجموعات المهنية للأبناك خلال سنتي 2008 و2009 والهادفة لرفع درجات الأمان الذاتية في هاته المؤسسات.

إلى جانب انخراط المغرب في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والهيئة الدولية للاستخبارات المالية (إيغمونت)، حيث سنت المملكة سنة 2021 قوانين صارمة للحد من ظاهرة غسل الأموال.

ثالثا: تقوية وتعزيز المقاربة الأمنية الدولية

من منطلق الوعي بخطورة الجريمة الإرهابية على المستوى العالمي، لا سيما وأن استراتيجية التيارات الجهادية خاصة “القاعدة ” و”داعش” ارتكزت في مجملها على تدليل الحدود الطبيعية بين الدول على الشاكلة التي أنتجتها العولمة والتنافسية في مجال الاقتصاد، غير أن الحرب الدولية على هذه التيارات بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، أفضت إلى تغيير استراتيجيتها من خلال المراهنة على بناء أقطاب إرهابية إقليمية وإحداث تكتلات وائتلافات جهوية لتوسيع جبهات القتال في مختلف الأقطار في العالم.

وفي هذا الإطار، عمل المغرب على إحداث بعض التغيرات واعتماد استراتيجية جديدة على المستوى العملياتي، من خلال تعزيز المقاربة الإقليمية والدولية في الرصد والمكافحة.

فبالإضافة إلى انخراط المغرب في كافة الجهود الدولية لمحاربة ظاهرة الإرهاب، فقد عملت الأجهزة الاستخباراتية الخارجية والداخلية والمؤسسات الأمنية المغربية بمختلف تشكيلاتها على بلورة استراتيجية أمنية ترتكز بالأساس على التواجد الميداني في مختلف بؤر التوتر بالخارج، ومحاولة اختراق بعض التنظيمات الجهادية، مع تكثيف التواجد الاستخباراتي في الأوساط العربية والجالية المغربية في العواصم والدول الغربية، إذ تمكن المغرب بفضل استراتيجيته على مستوى نقط الارتكاز والدعم والتنسيق من جمع عدد كبير من المعلومات والمعطيات عن تحركات كافة التيارات والرموز المتعلقة بالتيار السلفي الجهادي في الخارج.

من جانب آخر، وفي إطار التقاطع والانسجام بين السياسات الأمنية وباقي السياسات لمكافحة الظاهرة الإرهابية، فالمغرب وضع استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف والعنف عن طريق إعطاء الأولوية للتنمية الاقتصادية والبشرية، وإعادة هيكلة الحقل الديني لمواجهة كافة التأويلات المنحرفة والعنيفة للدين من خلال الاجتهاد في تفسير المذهب السني للإسلام، حيث قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بوضع برنامج يهدف إلى تكوين ما يقارب خمسة آلاف إمام ومرشدة دينية.

ختاما: ومن خلال استقراء وتحليل الاستراتيجية الأمنية المغربية في أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية، يتضح أن المؤسسة الأمنية استطاعت أن تقدم نفسها على المستوى الدولي كقوة ناعمة للمغرب في علاقته مع مجموعة من الدول الغربية، إد غدت ورقة الأمن ورقة تفاوضية يراهن عليها المغرب من أجل الدفاع عن مصالحه الحيوية والاستراتيجية والخارجية.

من جانت آخر، وعلى المستوى الداخلي، فمؤشر تفكيك الخلايا الإرهابية بقدر ما أنه يؤكد جاهزية واحترافية الأجهزة الأمنية في التصدي لظاهرة الإرهاب، فإن أرقام الخلايا المفككة وعدد المشتبه بهم وما يصطلح عليهم بـ”الذئاب المنفردة” يسائل المقاربة والاستراتيجية المغربية في مكافحة الإرهاب، لا سيما وأن تزايد هذه الخلايا ربما قد يكون مؤشرا على أن هذه الاستراتيجية تحتاج إلى مراجعة خاصة على المستوى الديني والفكري والاجتماعي.

spot_img