خطوات متوالية يتخذها صانع القرار الجزائري لكسر الجمود الذي طبع علاقات الجزائر بنيامي منذ الإطاحة بالرئيس النيجري محمد بازوم، إذ سبق الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء النيجيري محمد لمين زين للبلاد إيفاد الجزائر وزيرها للطاقة والمناجم محمد عرقاب إلى النيجر حيث اتفق مع نظيره النيجري على مشاريع مهمة، أبرزها استئناف نشاطات “سوناطراك” على مستوى الحقل النفطي برقعة كفرا بجمهورية النيجر، وفق وسائل إعلام جزائرية.
وحسب محللين، فإن الخطوات الجزائرية تعبّر عن رغبة صانع القرار الجزائري في تخفيف “الضغط السياسي” الذي يتعرّض له بسبب إقحامه الجزائر في أزمات دبلوماسية متواصلة، آخرها الأزمة مع فرنسا منذ إعلان موقفها الجديد المنتصر للطرح المغربي في القضية الوطنية، معتبرين أن “عودة “سوناطراك” إلى النيجر دليل على تعويل الجزائر مرة أخرى على ورقة النفط لكسر عزلتها في الجوار وحفظ صورتها أمام الرأي العام الداخلي”.
تخفيف الضغط
المحلل السياسي لحسن أقرطيط قال إن “قرار فرنسا دعم مبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد للحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية فاقم الضغط السياسي على النظام الجزائري، الذي يعيش ارتباكا كبيرا في تدبير علاقاته مع محيطه الإقليمي، ولم يتبقّ أمامه من حل لتخفيف هذا الضغط سوى اللجوء مرة أخرى إلى استخدام ورقة النفط عبر إعادة “سوناطراك” إلى الحقل النفطي رقعة كفرا بالنيجر، سعيا منه لكسب ود هذا البلد الإفريقي وتسويق التقارب كإنجاز أمام الرأي العام الجزائري”.
وأضاف أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن “موقف فرنسا عزز الإحساس بالخيبة السياسية والدبلوماسية لدى صانع القرار الجزائري، خصوصا أمام تمدّد أزمته مع دول الساحل الإفريقي الثلاث، تزامنا مع تقوية هذه الدول، منذ طرحها مشروع كونفدرالية الساحل، علاقاتها بالمملكة المغربية وتثمينها للمبادرة الأطلسية، ولذلك ارتأى قصر المرادية تقديم تنازلات في ملف الأزمة الدبلوماسية مع حكام نيامي الجدد بسبب الموقف الجزائري المعارض للانقلاب العسكري وترحيل الجزائر للمهاجرين النيجريين”.
وأشار إلى أن “الجزائر تعوّل على النيجر للعب دور في تخفيف حدة التوتر الدبلوماسي مع بوركينا فاسو ومالي، التي يعيش شمالها مواجهات عسكرية محتدمة بالقرب من الحدود الجنوبية الجزائرية، وهو التوتر الذي هشّم الصورة التي روّجها النظام الجزائري على مدى سنوات باعتبار منطقة الساحل الإفريقي ساحة نفوذ الجزائر وعمقها الاستراتيجي”، لافتا إلى أن “التهديدات الأمنية التي يشكلها الحشد العسكري للفرقاء الليبيين بالقرب من الحدود الجزائرية تدفع بدورها الحكام الجزائريين إلى البحث عن انفراج للأزمة مع دول الساحل”.
ورقة وسعي للمنافسة
المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتحي قال إن “من غير المستبعد أن تكون الجزائر، التي دخلت في أزمة دبلوماسية مع دول كثيرة آخرها فرنسا بسبب موقفها الجديد من قضية الصحراء المغربية، تحاول استثمار ورقة النفط لضخ نفس جديد في علاقتها بالنيجر بما يكسر عزلتها في الجوار، مستحضرة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها هذا البلد الإفريقي جراء إغلاق حدوده مع بنين منذ الانقلاب العسكري في غشت الماضي”.
ورجّح الفاتحي، في تصريح لهسبريس، أن “يكون سعي الجزائر مؤخرا إلى التقارب مع النيجر صادرا عن رغبة في إحياء أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يعاني تحدّيات عديدة، على رأسها هشاشة الأمن في هذا البلد الإفريقي، وهو ما ثبت خلال الانقلاب العسكري الذي شهده السنة الماضية، وعيا من صانع القرار الجزائري بمدى الخطوات المتقدّمة في مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجريا، الذي تظل حظوظه في جلب المستثمرين أوفر لأن جميع الدول الإفريقية الإحدى عشرة التي يمر منها مستقرة سياسيا بخلاف دول منطقة الساحل والصحراء”.
وأشار المحلل السياسي والباحث في الشأن المغاربي إلى أن “التقارب الجزائري النيجيري لن يؤثر على حرص النيجر على تمتين علاقتها بالمملكة المغربية، سيّما أن قرار هذا البلد الإفريقي شديد الارتباط بحسابات شريكيه في تحالف دول الساحل: مالي وبوركينا فاسو، وهي الدول الثلاث التي سبق لها أن عبّرت عن دعمها للمبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب لتمكينها من منفذ بحري على المحيط الأطلسي، بعد تكوينه رؤية شاملة للتحديات الاقتصادية والتنموية المطروحة أمام المنطقة”.


