نظمت المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء، بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، دورة تكوينية لفائدة القضاة العاملين لبحث ومعالجة الإشكالات القانونية التي أفرزتها الممارسة القضائية في المنازعات العقارية، أطرها محمد بنيعيش، رئيس هيئة بالغرفة العقارية بمحكمة النقض، وحسن فتوح، مستشار بالغرفة ذاتها.
وفي كلمة افتتاحية، أفاد سمير آيت أرجدال، رئيس المحكمة الابتدائية المدنية، بأنه “إذا كان العقار يشكل عامل إنتاج استراتيجيا ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بأبعادها المختلفة، فإنه بهذه الصفة يعد الوعاء الرئيسي لانطلاق وتحفيز المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية، ولتوفير الأرضية الأساسية لإقامة البنيات التحتية والتجهيزات العمومية”.
وأضاف آيت أرجدال أنه “بالنظر إلى التعددية القانونية التي تحكم المنظومة العقارية، فإن المعالجة القضائية تقتضي اعتماد منظور شامل، يستحضر كافة الأبعاد القانونية والتنظيمية والإجرائية ومراعاة البنية المركبة والمتشابكة، الناتجة عن تداخل الفاعلين وتعدد القوانين”.
من جانب آخر، أشار رئيس المحكمة الابتدائية المدنية إلى أن “العمل القضائي يعتبر أحد أهم التحديات التي يتعين رفعها لتأهيل المنظومة القانونية العقارية، وذلك نظرا لغياب أو تجاوز بعض النصوص القانونية المنظمة للموضوع، وعدم كفايتها الذاتية لمعالجة بعض الوقائع المستحدثة وما لذلك من تأثير على تعدد القراءات واختلاف الفهم والرؤى بين كافة الفاعلين المهنيين والقانونيين”.
وفي معرض كلمته، أكد سمير آيت أرجدال على أن “تنظيم هذه الدورة التكوينية يأتي في سياق رصد أهم الإشكالات ذات الصلة بالمنازعات العقارية المستجدة والبحث عن الحلول الكفيلة بتبديدها من خلال فتح النقاش بشأنها ورصد العمل القضائي في سبيل توحيده في علاقته بما كرسته محكمة النقض من مبادئ قضائية حمائية ذات حمولة دستورية وقانونية وحقوقية ضامنة للأمن العقاري باعتباره مرتكزا أساسيا لتحفيز الاستثمار”، وذلك انسجاما مع توجيهات الملك محمد السادس في رسالته الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية بالصخيرات.
وأكدت خديجة الرصافي، ممثلة النيابة العامة، أن “هذا اللقاء العلمي يأتي في إطار البرنامج الثقافي المعلن عنه خلال الجمعية العامة لهذه السنة تفعيلا لمقتضيات المادة 33 من القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة”، مشيرة إلى أنه “بالنظر إلى كون العقار يعتبر إحدى الدعائم الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق الثروة، فإنه بات من الضروري العمل على تحصين حق الملكية الذي يعد من أسمى المبادئ الدستورية التي تستوجب الرعاية والضمان”.
وقالت خديجة الرصافي إن “تنظيم هذا اللقاء يأتي في سياق النقاش القانوني الذي يعرفه المغرب تزامنا مع تفعيل المستجدات القانونية الحاصلة في مجال التشريع العقاري، وذلك من أجل تحقيق تنمية مستدامة وتحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار”.
وأضافت ممثلة النيابة العامة أنه “مهما كانت الترسانة التشريعية، فإنها تبقى غير كافية لتحقيق مبتغاها، إذ يبقى العمل القضائي هو الملاذ لسد ثغرات التشريع من خلال إصدار اجتهادات جريئة قادرة على تجاوز فراغات النصوص القانونية”.
وأكدت المتحدثة أنه “من أجل بلوغ النتائج المرجوة، لا بد من توحيد اجتهاد المحاكم في المنازعات العقارية، وبعث الروح في النصوص القانونية الجامدة، وإيجاد الحلول المناسبة للوقائع المتجددة في القضايا العقارية حماية للملكية العقارية، وتماشيا مع ما دعا إليه الملك محمد السادس في مناسبات عديدة من ضرورة تأهيل قطاع العقار وتثمين هذا الإرث وتحصين الملكية العقارية بما يتحقق معه الأمن العقاري”.