ككل سنة، تحرك هذا العام عدد من الشباب المغاربة في كافة المدن المغربية لرسم معالم “تجارة مؤقتة” متجذرة في قلب “المهن الموسميّة”، تبدأ حركيّتها بشكل مكثف في الأيام الأخيرة التي تسبق صبيحة نحر الأضحية وتتواصل خلال يوم الأضحى وبعده، الأمر الذي جعل هذه “الطقوس التجارية” فرصة لكسب مداخيل مهمة قدر أحد الخبراء في الاقتصاد رقم معاملاتها بـ3 أو 4 مليارات درهم.
وتحظى “المهن العابرة” بمردودية مهمة حتى “لو كانت تدخل في جدول اقتصاد الظل، أي غير المهيكل وغير المدرّ لمداخيل ضريبيّة وغير الحائز على رخص قانونيّة، إلخ”، وهو ما يجعلها “عمليّة بالنسبة للمغاربة، ويتم اللجوء إليها أمام انعدام البديل وغياب الاحتراف لدى مجموعة من العائلات في القيام بمهمات مرتبطة بالعيد، أو عدم توفر المعدات اللوجستية للقيام بها، كشحذ السكاكين ومختلف أدوات نحر وتقطيع الأضحية وشي رؤوس الأغنام، إلخ”.
“رواج اقتصادي”
محمد جدري، باحث في الاقتصاد، قال إن انتعاش المهن المؤقتة أو الموسمية التي يكون عمرها قصيرا، يرجع إلى كون عيد الأضحى أصبح “مناسبة استهلاكية بامتياز، وأصبح مناسبة لهذه المهن”، مسجلا أن رقم المعاملات المسجل في السنة الماضية حسب وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، قُدر بـ18 مليار درهم. والآن مع موجة الغلاء، من المتوقع أن يتجاوز 20 مليار درهم على أقل تقدير”.
وأورد الباحث الاقتصادي، في تصريح لهسبريس، أن هذه المهن التي تدخل ضمن خانة الاقتصاد غير المهيكل، “تُحرّك مجموعة من أيام العمل قبل العيد وأثناءه وبعده”، مؤكدا “أننا في حاجة إليها في ظل ارتفاع نسبة البطالة من 11,4 في المائة إلى 13,5 في المائة على المستوى الوطني السنة الماضية”. وزاد أن “هذه المهن تجعل شريحة مهمة من الأسر المغربية تضمن مقدرات العيش على الأقل لشهرين أو ثلاثة أشهر، ونحن نحتاجها في ظرفية عرفت تضرر القدرة الشرائية للأسر”.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن يصل رقم المعاملات بالنسبة للمهن الموسمية المتحركة ضمن اقتصاد الظل إلى 3 أو 4 مليارات درهم، معتبرا أنه “رقم مهم بالنسبة للاقتصاد المغربي، وأساسا بالنسبة لشريحة حيوية مثل شباب البلد، أمام غياب مناصب الشغل وفقدان العديد منهم لعملهم بفعل صعوبة الظرفية الاقتصادية التي مررنا بها انطلاقا من فترة جائحة كوفيد-19″، مشدداً على أن “المهن الموسميّة تلعب أدوارا مهمة وتقدم خدمات ضرورة للأسر المغربية”.
“استهلاك عقلاني”
طارق البختي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، قال إن “المهن العابرة” تحضر حين يرتفع الاستهلاك، وتلك سنّة عيد الأضحى تحديدا، باعتباره من أكثر المناسبات الدينية والثقافية المغربية حيث ترتفع درجة استهلاك الأسر، فتجد العديد من الفئات الشابّة ذلك فرصة لخلق رواج اقتصادي وتحريك العجلة المتوقّفة، رغم أن ذلك أحياناً يُسائل مشكلة منح الرخص لهذه المهن، كما يطرح العديد من الأسئلة على ما تخلقه بعض المهن من عرقلة السير والجولان”.
وأورد البختي، في تصريح لهسبريس، أن “بعض المهن تضر بجمالية المدينة، وخصوصاً في الأحياء الشعبية، بحكم ما تتركه من مخلفات”. وأورد أن “ترويج مجموعة من المواد في هذه الفترة بالتحديد يحتاج إلى المزيد من الصرامة من طرف المستهلكين في الاطلاع جيدا على تواريخ الصلاحية بالنسبة للمواد التي تتوفر على مدة حياة مشار إليها”، وقال: “هناك مشكلة أخرى تتعلق بالجودة، لكون منتجات كثيرة توضع بأثمنة جد رخيصة”.
وسجل المتحدث أن “التفكير أساساً في البعد التجاري” يجعل الباعة المتجولين مؤقتاً على خلفية “العيد الكبير”، وفق قوله، “لا يعيرون أحيانا أهمية كبيرة لما قد تحتاجه بعض المواد من درجة تبريد بحكم أننا في فصل الصيف، والتخزين بدوره غير معروف كيف يتم، وهو ما يستدعي أن نطلق تحذيرات لأجل رفع المراقبة من طرف لجان السلامة الصحية ولجان سلطات الإدارة لضمان الحفاظ على الصحة العامة في هذه الظرفية”، وفق تعبيره.


