تبنّت أطراف حقوقية تجديد المجلس الوطني لحقوق الإنسان “موقفه الراسخ لإلغاء عقوبة الإعدام وتكثيف جهوده لتعزيز ضمان الحق في الحياة”. واعتبرت تلك الأطراف أن تكريس المجلس سالف الذكر للموقف، الذي عبر عنه على خلفية إعادة ستة مواطنين مغاربة بعد أن صدر في حقهم حكم الإعدام عن محكمة عسكرية تقع شمال الصومال نهاية فبراير الماضي للاشتباه في تورطهم مع جماعات إرهابية، يمثل “قيمة مضافة” للنضال الحقوقي.
موقف “مجلس بوعياش” كان تجديدا صار “شيئا مألوفا ومُحبّذا ومدعوما” لدى الحركة الحقوقية وطنيا وكونيا تماشيا مع الفلسفة التحديثية والتوقيع العالمي الذي تنطلق منه المؤسسة، كما أنه “يُقرّب المغرب من اتخاذ الخطوة المنتظرة بإلغاء العقوبة العظمى”؛ بيد أن أصواتا محافظة داخل البلد تعتبر أن “المؤسسة يتعيّن أن تراعي خصوصية المجتمع المغربي، بوصفها مؤسسة تعبر عن المغاربة وليس عن تيار بعينه”، وفق هذه الجهات.
“موقف مساعد”
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعدّ إيجابيا ويتطابق مع موقف الحركة الحقوقية المغربية بصفة عامة؛ وذلك ضمانا للحق المقدس في الحياة.
وذكر الفاعل الحقوقي عينه أن المركز الذي يترأسه أعد، بشراكة مع وزارة العدل، دراسة وطنية ميدانية وعلمية حول الموضوع وتبين من خلال خلاصاتها أن المجتمع المغربي لا يزال منقسما بشكل كبير بين المؤيدين للإبقاء على هذه العقوبة في القانون الجنائي المغربي وبين المُطالبين بإلغائها؛ ليس فقط على المستوى الشعبي، بل حتى على مستوى النخبة والمثقفين”.
وعلى الرغم من تأكيده على دور موقف “مجلس بوعياش” كمؤسسة دستورية في مسار التخلي عن العقوبة، فإن الخضري قد لفت إلى أن “الرأي العام الوطني طالما اهتز لجرائم تقشعر لها الأبدان، فتتعالى الأصوات المطالبة بإنزال عقوبة الإعدام بالمدانين ليس فقط حكما بل تنفيذا، خاصة حينما يتعلق الأمر بجرائم القتل المتسلسل وجرائم قتل في حق أطفال ونساء بطرق بشعة ولا إنسانية وعن سبق إصرار وترصد. لذلك، فالمشرع المغربي واع بهذه المعضلة بشكل عميق”.
تدفع الحركة الحقوقية بأن العقوبة السالبة للحياة لم تحد من الجريمة؛ غير أن رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان شدد على “تفهم نحن تلكؤ المشرع إزاء إلغاء هذه العقوبة من القانون الجنائي؛ لأنه مرّ بمحطات تدريجية، حاول فيها ترشيد أحكام الإدانة بعقوبة الإعدام، منتهجا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، في أفق إلغائها بصفة نهائية في المستقبل، حيث جرى تقليص عدد الجرائم التي يحكم عليها بالإعدام من 31 إلى 8 جرائم، مع إضافة 3 جرائم وهي الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ليصبح عدد الجرائم 11 جريمة”.
وختم المتحدث قائلا إنه “علينا الاعتراف بأن التحديات الواقعية ما زالت تشكل عائقا حقيقيا في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، في ظل تنامي جرائم القتل المنظمة؛ بما في ذلك الاتجار بالأعضاء البشرية، والقتل المتسلسل، واغتصاب الأطفال حتى الموت. ولذلك، على الدولة المغربية أن تحصن المجتمع المغربي من هذه الآفات وتعالج أسباب تنامي ظاهرة الجرائم المركبة، باعتبار ذلك مدخلا طبيعيا وحقيقيا نحو إلغاء عقوبة الإعدام من القانون الجنائي المغربي”.
التحفظ ضرورة”
حسن الموس، باحث في العلوم الشرعية عضو مركز المقاصد للدراسات والبحوث، اعتبر أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان عليه، وهو يدافع عن تصوراته، أن يراعي أيضا الترسانة الحقوقية الإسلامية، بحكم أن المجتمع المغربي مسلم”، مشدّدا على أهمية اتخاذ موقف تحفظ إزاء القضايا المماثلة، مع أن موظفيه من حقهم التعبير عن آرائهم؛ لكن كهيئة وطنية وملك لكل المغاربة فهي لا بد أن تعبر عن المغاربة الذين أغلبهم مع تطبيق الشرع.
وأضاف الموس، في تصريح لهسبريس، أن المؤسسة الدستورية من مهامها الكبرى فعلا يوجد الدفاع عن حقوق الإنسان، ومن أعظم وأكبر الحقوق هو الحق في الحياة، ولا بد من الدفاع عنها لأنه حتى في شريعتنا تعد الحياة مقدسة وهي من الضروريات أو الكليات الخمس. ولهذا، لا بد من المحاكمة العادلة ومن التريث، والفقهاء يؤكدون أن تُدرأ الحدود بالشبهات؛ لكن المجلس، في إطار مرافعته، ينبغي أن يراعي خصوصية المجتمع المغربي.
وتابع المتحدث قائلا: “نحن كمجتمع مسلم، نعلم أنه في شريعتنا أذن الله عز وجل بالقصاص، وهو أن القاتل إذا ثبتت التهمة بشكل صحيح فهو يقتل”، لافتا إلى أن “الشريعة الإسلامية بهذا لا تسعى إلى التشفي من القاتل، وإنما تسعى إلى حفظ الحياة، ويكفي أن نستدل هنا بالآية الكريمة القائلة: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ”، بمعنى أن الغاية هي منع القتل وليس القتل، ولهذا فالمجلس الوطني يجب أن يراعي هذا البعد”.
وختم الباحث في العلوم الشرعية مشددا على أن يدافع “مجلس بوعياش” عن “المحاكمة العادلة، وأن يقف ضد المحاكمات السياسية؛ ولكن القول بالإلغاء فنحن نلاحظ أن دولا ومؤسسات عديدة ترى بأن هذه العقوبة تسهم في التقليل من جرائم القتل والجرائم الماسة بالاعتداء على الحياة”، وسجل أن “هذا هو التصور الإسلامي الذي يتعين أن تحترمه مختلف مؤسسات الدولة، بما أن الدستور واضح حيال الدين الإسلامي”.