استعرضت دراسة أكاديمية حديثة الصدور جوانب أساسية من اشتغال المملكة المغربية على الجانب المتعلق بـ”القوة الناعمة” من خلال محاولة استثمارها بشكل فعال باعتماد عدد من الأدوات، سواء تعلق الأمر بالثقافة أو الاقتصاد أو الدبلوماسية الإنسانية والروحية كذلك، طارحة بذلك توصيات تخدم “تعزيز تأثير المغرب خارجيا”.
وقالت الدراسة سالفة الذكر، المنشورة ضمن عدد شهر أكتوبر الجاري من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث العلمية”، إن “المغرب يستثمر في مجموعة من المجالات الحيوية؛ بما فيها التعليم والصحة وتطوير العلاقات مع الجالية المغربية في الخارج، إلى جانب تركيزه على تعزيز ثقافته خارجيا ونشر تعاليم المذهب المالكي السني، مع دعم المشاريع الثقافية والاقتصادية”، مشيرة إلى أن “هذه الاسترتيجيات تسهم في تعزيز نفوذ المغرب على المستويين الإقليمي والدولي، وقدرته كذلك على بناء علاقات مستدامة مع محيطه الخارجي”.
كما ذكرت الدراسة ذاتها أنه في الحالة المغربية “يمكن اعتبار الحضارة وسيلة قوية للجذب والتأثير في السياسة الخارجية، حيث يمتلك المغرب بفضل تراثه الثقافي الغني والمتنوع قدرة التواصل مع مختلف شعوب أقطار العالم؛ إذ يستطيع من خلال الدبلوماسية الثقافية توظيف عناصر مختلفة كالفنون والتعليم والتاريخ والدين لتعزيز فهم حضارته وتأثيرها الإيجابي على المستوى العالمي”.
وأكدت الوثيقة ذاتها أن “المغرب صار يتقدم بشكل حيوي في تصدير نموذجه الثقافي والترويج لمقوماته التاريخية والحضارية، مع الاشتباك مع جوانب الاقتصاد والسياسة”، لافتة إلى أن “الدول صارت تأخذ القوى الثقافية في استراتيجياتها الخارجية لتعزيز قوتها الناعمة وضمان استدامة تأثيرها على الساحة الدولية”.
في سياق متصل، كشف مؤلف الدراسة أن “الاستثمارات الاقتصادية بالقارة الإفريقية أسفرت عن تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، مما أدى إلى زيادة المبادلات التجارية؛ فهذه الاستثمارات تعتبر من الأدوات الفعالة لتعزيز التأثير المغربي وتعميق التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية”.
على النحو ذاته شرح المصدر سالف الذكر كيف أن “الاستراتيجية المغربية في هذا الصدد تعد نموذجا للتعاون المشترك بين الدول، على اعتبار أن جهود المغرب تبرُز كذلك في تعزيز الاستقرار والسلام في القارة الإفريقية، إذ تُظهر المملكة التزاما ثابتا بالمشاركة الفعالة في مبادرات حفظ السلام والتعاون الاقتصادي والثقافي”.
كما تحدث خصيصا عما أسماه “الدبلوماسية الوقائية المغربية” التي لمح إلى أنها “فعالة في تسوية العديد من النزاعات والبحث عن حلول سلمية ودائمة للأزمات السياسية التي تواجه القار الإفريقية، إذ إن الرباط تشارك بشكل منتظم في جهود حفظ السلام في المنطقة وبرعاية أممية”.
ولم يغفل مؤلف الدراسة الجانب الاقتصادي في هذا الإطار، إذ ذكر أن “المملكة المغربية صارت واحدة من أكبر المستثمرين في القارة الإفريقية، خصوصا في قطاعات البنوك والاتصالات والعقار والصناعات الكيماوية، بما جعل المبادلات التجارية بين المغرب ودول القارة ترتفع بما يصل إلى 9,5 في المائة في المتوسط بين عامي 2000 و2019”.
“مؤسسات الزوايا ساهمت من جانبها في نشر تعاليم المذهب المالكي السني؛ في حين لعبت مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة دورا مهما في تدريب الأئمة. بينما تبنى المغرب على مستوى الهجرة سياسة فعالة عن طريق تسوية أوضاع الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين”، وفق المصدر ذاته.
كما أوصت الدراسة بـ”تطوير استراتيجية شاملة من خلال تحديد أهداف دقيقة بغرض تحقيقها، حيث ينبغي أن ترتكز هذه الاستراتيجية على تاريخ الدولة العريق وموقعها الجغرافي المتميز مع الاستفادة من قوة وإشعاع المؤسسة الملكية”.
وتضمنت الدراسة الأكاديمية، المنشورة بالعدد الصادر برسم الشهر الجاري من مجلة “الباحث للدراسات والأبحاث العلمية”، توصية بخصوص “تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال توقيع مزيد من الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية، مع تعزيز هذا التعاون كما ينبغي في إطار إنشاء منطقة إفريقية للتبادل الحر”؛ فضلا عن “استثمار طاقات الجالية المغربية بالخارج بغرض توسيه نطاق تأثير المغرب وتعزيز قوته الناعمة”.
وعاد الواقف وراء العمل الأكاديمي سالف الذكر إلى الإشارة إلى “ضرورة تعزيز الهوية الثقافية المغربية مع الانفتاح على التطورات الحديثة لتعزيز مكانة المملكة كدولة متقدمة، على أن يشمل ذلك دعم الإنتاجات الثقافية والفنية”.