أثار انتشار مقطع فيديو يوثق اللحظات الأخيرة لامرأة طاعنة في السن معروفة قيد حياتها بين أوساط مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي بـ”مي السعدية”، نشرته ابنة الراحلة بالتبني، غضبا واستياء عارمين في المغرب، إذ فتحت هذه الواقعة النقاش حول ضرورة محاربة استباحة الخصوصيات وانتهاك الحرمات في الوسائط الرقمية، والقطع مع استغلال لحظات الضعف الإنساني من أجل التسول الافتراضي وربح المال.
وفي حين أكد مهتمون أن التسيب الذي تعرفه مواقع التواصل الاجتماعي على هذا المستوى ينذر بموت القيم في المجتمع، طالب آخرون بتدخل المشرع المغربي والنيابة العامة بشكل تلقائي من أجل تحريك الدعوى العمومية في حق المتورطين في مثل هذه الأفعال، تزامنا مع توجه حكومي نحو التشدد في معاقبة المتهمين في قضايا التشهير واقتحام الحياة الخاصة للأفراد على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، كما أكد على ذلك عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، غير ما مرة.
في هذا الإطار، قال محسن بنزاكور، دكتور متخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “هذه الواقعة تؤكد بالملموس إلى أي حد يمكن أن تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في استباحة الخصوصيات وقبلها القيم الاجتماعية، من خلال استغلال لحظات الضعف الإنساني ولحظات الوداع ولحظات إشراك العلاقة الروحانية مع الله، بكل بشاعة، من أجل التسول الافتراضي”.
وأوضح المتخصص في علم النفس الاجتماعي أن “مثل هذه الظواهر المرفوضة دينيا وأخلاقيا، تبين كيف وصلت الدناءة بالإنسان وكيف يمكن أن يستبيح ليس فقط سجده وكرامته وحميميته من أجل المال، وإنما أن يتطاول أيضا على حرمة الموتى ويتاجر في أجسادهم”، مشددا على أن “الخطير هو أن الجيل الجديد من الشباب حينما يفتح عينه على مثل هذه الأمور، فإنه سيطبع معها وسيعتبرها عادية، وبالتالي موت القيم الإنسانية”.
وشدد بنزاكور، في تصريح ، على أن “القانون رغم أنه يعاقب على مثل هذه الأفعال، إلا أن الإشكال أن بعض المنظمات الحقوقية لا تحرك ساكنا في مثل هذه الحوادث عكس ما تفعله في حالات الاعتداء الجنسي مثلا، في حين إن هذه الأفعال تشكل هي الأخرى اعتداء سافرا على كرامة الإنسان وصورته واستغلاله من أجل التسول الذي يعاقب عليه القانون هو الآخر”.
من جهته، قال الحسين البكار السباعي، محام وحقوقي، إن “المشرع لم يفرز إلى حد الساعة أية نصوص قانونية خاصة تجرم هذا النوع من المحتوى غير الأخلاقي وغير الإنساني، على غرار هذه الواقعة التي استُغلت فيها إنسانة طاعنة في السن من قبل شخص كان عليه رعايتها ومد المساعدة لها في فترة احتضارها، مستغلا حالتها من أجل التسول الافتراضي”.
وأضاف السباعي، في تصريح لهسبريس، أن “ظهور ظاهرة المؤثرين وما صاحبها من انزلاقات أخلاقية شكلت في كثير من الحالات أفعالا إجرامية تستلزم المتابعة والمحاكمة، ساهم في انتشار نوع من المرض الرقمي الذي أضحى يتطلب علاجا أخلاقيا وتربويا قبل تجريمه بمقتضى قواعد قانونية خاصة”.
وسجل المتحدث أن “القانون الجنائي مازال قاصرا على توفير قواعد عقابية أو تفريد نصوص جنائية خاصة لهذا النوع من الأفعال المدمرة لأخلاق المجتمع”، موردا: “على المشرع أن يتدخل اليوم قبل غد من إخراج نصوص قانونية كفيلة بالحد من هذه الظواهر المشمئزة، فضلا عن ضرورة نشر ثقافة رقمية كفيلة بتوجيه مستعملي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي إلى ما يفيدهم ويفيد المجتمع، ذلك أن التربية الرقمية أضحت ضرورية في مجتمع سيبراني تنتقل فيه المعلومة بسرعة الضوء”.
وأشار الحقوقي ذاته إلى “ضرورة تمكين النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة من إمكانية التصدي لمختلف أنواع المحتويات المشينة بالكرامة الإنسانية، أو التي تدعو إلى التعري والدعارة وإفساد الأخلاق العامة، عبر تحريك متابعات مباشرة في حق أصحابها دونما حاجة إلى شكاية من الطرف المتضرر، ما دام أن المتضرر الأول هو المجتمع بكافة مكوناته وأن النيابة العامة دورها حماية المجتمع من كل الأفعال التي تشكل وصفا مجرما”.
وذكر السباعي أنه “في غياب إطار قانوني يجرم الأفعال آنفة الذكر بصفة قطعية وصريحة، يجب تطبيق مقتضيات الفصل 448.1 من مجموعة القانون الجنائي الذي يشمل حالات متعددة من المحتويات التي يجهل أصحابها أنها أفعال مُعاقب عليها، مثل نازلة الحال، باعتبارها استغلالا للضعف والحاجة والهشاشة”.
وينص الفصل سالف الذكر على ما يلي: “يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال”.