40 C
Marrakech
mardi, juillet 1, 2025
spot_img

ذات صلة

جمع

إحباط محاولة تهريب 3 أطنان من مخدر الشيرا

الصويرة – تمكنت عناصر الشرطة بالمنطقة الإقليمية للأمن بمدينة...

نيسان ماجنايت تصل إلى المغرب، أول سوق أفريقي بسيارة ذات قيادة يسرى

أكد جوردى فيلا، رئيس نيسان أفريقيا، على الأهمية الاستراتيجية...

إينجي شمال أفريقيا تعين رييك دي بويزيري مديرًا عامًا

الدار البيضاء، 1 يوليو 2025 – أعلنت شركة إينجي...

موجة حر شديدة و شَرگِي منتظرة من الإثنين حتى الجمعة

أعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية عن تحذير من موجة...

الحموشي يستقبل رئيس الاستخبارات الإماراتية بالرباط

استقبل المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، السيد...

المصباحي: إسرائيل مصنع الكذب والإبادة .. وكاشفة فضائح الأفكار الغربية


تجديد فكريّ يعيشُه النقاش الفلسفي والثقافي بالمنطقة، بفعل تداعيات القصف الإسرائيلي والدعم الغربي الرسمي والفكري المستمر له منذ عشرة أشهر، من بين تمظهراته أطروحات ومحاضرات ومداخلات ومواقف مفكرين مغاربة وعرب، منهم مفكرٌ من أعلام الدرس الفلسفي بالجامعة المغربية، هو محمد المصباحي المتخصص في فلسفة ابن رشد.

في ورقة ألقاها خلال المؤتمر الثاني عشر للجمعية الفلسفية الأردنية، بعنوان “تجديد الفكر النهضوي العربي” بالعاصمة عمان، سجل المصباحي أن “من أفضال محنة غزة أنها أيقظت الفكر العربي من تخدّره وجعلته قادرا على أن يميّز بين حداثة وحداثة، على أساس الاعتبار بالحق؛ لذلك سيكون على هذا الفكر أن يغتنم فرصة اليقظة الفكرية والأخلاقية، ليأخذ زمام المبادرة لإيقاظ الضمير الغربي من سباته جراء نسيانه مبدأ الحق”.

وأضاف صاحب الورقة: “إذا كانت الأزمنة الحديثة في نظر أكثر من مؤرخ للكذب تميزت بوصول الكذب فيها إلى أعلى مداه، فإنه مع إسرائيل يمكن اعتبار أن الكذب وصل إلى أوجِهِ في السفه والبذاءة والغطرسة؛ فهي تمطر العالم يوميا وعلى مدار الساعة وابلا من الكذب بشأن فلسطين والفلسطينيين والمقاومين والمقاومات (…) بكل وقاحة أمست إسرائيل، وبخاصة أثناء حربها على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، تزوّر كل شيء: التاريخ، الجغرافيا، الطبخ، اللباس، لتُثبت أن لها الحق وحدها في أرض فلسطين التي اغتصبتها من أهلها. ويمكن مع هذا أن نتكلم عن مرحلة ثالثة تتوج المرحلتين السابقتين لتاريخ الكذب، الكلاسيكية والحديثة، نسميها المرحلة النازية الصهيونية، إذ تحوَّل الكذب فيها إلى كذب أونطولوجي مارس النازيون بموجبه محرقة فظيعة لليهود، ويمارس الصهيونيون يوميا منذ أربعينيات القرن الماضي محرقة ثانية في حق الفلسطينيين والفلسطينيات”.

كذب وجوديّ

اقترح المصباحي مفهوم “الكذب الأنطولوجي” للدلالة على أن “إسرائيل مجبولة على الكذب بالفطرة منذ طرأت على العالم العربي، وأن وجودها صار متوقفا على عدم أو إعدام الوجود الفلسطيني أرضا وشعبا أولا باستعمال قوة الحديد والنار لإخراج الفلسطينيين والفلسطينيات من ديارهم والاستيلاء عليها، وثانيها بالكذب والبهتانِ، السلاح الأشد فتكا من سلاح القوة”.

وسجّل المفكر ذاته أن “الكذب الإسرائيلي الفج والفاجر قد استند إلى كذبتين صارختين، كذبة أولى كانت على شكل أسطورة دينية تُبرّر احتلال اليهود أرض غيرهم بالعنف والإكراه بناء على وعد توراتي، وكذبة ثانية هي الديمقراطية التي تُسخّرها إسرائيل يوميا لشرعنة سلب الأراضي من أهلها وتشريدهم من بيوتهم وطردهم من حقولهم عبر تصويت ‘ديمقراطي’ لبرلمانها”، وزاد: “وتوسعت عملية الافتراء وإظهار الظلم بمظهر الحق من سرقة الأرض إلى سرقة المدخرات الثقافية، من لباس، ومطبخ، ورموز، بل وحتى الأغاني”.

وتساءل المصباحي سؤالا كانطيّا (نسبة إلى إيمانويل كانط): “هل لإسرائيل ‘الحق في الكذب’ دون غيرها، أي هل يمكن ترخيص الكذب لها دون غيرها واعتباره فضيلة أخلاقية لا شرا مستطيرا ما دام يضمن حقها في الوجود وفي الدفاع عنه؟”، مجيبا: “إذا كان بعض الفلاسفة ومعظم من السياسيين الغربيين يُجيزون لإسرائيل مثل هذا الحق، وينكرون على أصحاب الحق الأصلي من الفلسطينيين المطالبة به والدفاع عنه، فإننا سواء كنا كانطيين (بأن نقول إن لا حقّ لإسرائيل بأي حال من الأحوال في الكذب لأنه يقوّض مصدر الحق، وبالتالي ينسف كل المبادئ الأخلاقية والعقود السياسية، ما دام الكذب شرّا مطلقا)، أو كنّا ما بعد كانطيين (نميل إلى القول بوجود أكثر من حق واحد، وبالتالي بصراع الحقوق)، لا نستطيع أن نمنح إسرائيل الحق في الكذب تحت أي غطاء أو مبرر سياسي كان، لأن تماديها في الكذب من شأنه أن يؤدي إلى إبادة شعب وإحلال مجموعة من الآفاقيين الذين أتوا من كل أنحاء الأرض ولا علاقة لهم بأرض فلسطين إلا عن طريق السرديات التوراتية، وهو أمر ترفضه كل الشرائع والأخلاقيات”.

ثم أردف الكاتب ذاته: “نعم، عانى اليهود الأمرّين من اضطهاد وقهر الأوروبيين على مدى عشرات القرون، وكان من الإنصاف أن يُبحث لهم عن وطن خاص بهم لطيّ ملف اضطهادهم الديني وكراهية عرقهم السامي، لكن أن يكون هذا الحل على حساب شعب آخر كان يعيش مطمئنا في أرضه منذ الأزل يأباه العقل وترفضه كل الشرائع الإنسانية والإلهية (…) إن إدانتنا كذب إسرائيل ليس فقط لكونه يُفسد الفضيلة ويطيح بالكرامة الإنسانية ويهدد بخلط الفضيلة بالرذيلة، لكن بالخصوص لكونه يشرّد شعبا بريئا مما اقترفته الشعوب الأوروبية بحقهم. فلماذا يدفع الفلسطينيون ضريبة ما فعله الأوروبيون؟”.

وإذا كان الحق الفلسطيني “يدخل في باب الحق الضروري، الذي بطبيعته لا يؤذي إلا ذوي العقول الضعيفة”، فإن الكذب الإسرائيلي “كذب جوهري، وكذب وجودي هدفه سلب حق الوجود من شعب بأكمله ظلما وعدوانا ومنحه لشعب آخر إفكا وبهتانا؛ وهو أيضا كذب ميتافيزيقي لأنه يستند إلى نص توراتي دموي يبيح تشريد شعوب منطقة بأكملها باسم وعد إلهي مزعوم”؛ وهكذا “يتحول الحق إلى ظلم، والظلم إلى حق، ويصبح الكذب حقا؛ أما الحق الأصلي للشعب الفلسطيني فهو بالنسبة لإسرائيل كذب، كأن وجود شعب بقضّه وقضيضه في أرضه منذ آلاف السنين هو مجرد أضغاث أحلام. هكذا تتحول البشرية في فلسطين إلى جحيم لا يشعر بهوله إلا القليل من شرفاء العالم ومن بينهم شرفاء اليهود”، يورد المتحدث ذاته.

فضيحة الفكر الغربي

وصف المفكر المغربي محمد المصباحي ما كشفته فلسطين بـ”فضيحة الفكر الغربي”؛ إذ “فضحت حرب غزة، أو بالأحرى طوفان الأقصى، رهطا من المفكرين الغربيين الذي سارعوا للدفاع عن ‘حق’ المحتلّ الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه، متجاهلين حق الفلسطينيين في الذود عن أنفسهم وأراضيهم؛ وهم بموقفهم هذا يكونون تنكروا لمبدأ المساواة في الإنسانية بين اليهود والفلسطينيين، وهو المبدأ الأساس الذي قام عليه التنوير؛ وبالتالي فهؤلاء الفلاسفة الغربيون بسلوكهم التمييزي هذا يكونون اعترفوا بأن مبادئ التنوير، من حرية وكرامة ومساواة وعدالة وحقوق الإنسان، لا تنطبق إلا على الغربيين ومن يواليهم، وأنهم بموقفهم هذا يكونون شبيهين بإسرائيل التي تستثني الفلسطينيين من الإنسانية وتعتبرهم حيوانات وعبيدا”.

“هكذا يكون هؤلاء الفلاسفة فضّلوا رؤية تشابيح الحقيقة وظلالها في كهوف سردياتهم التوارتية وأيديولوجيتهم الصهيونية، على أن يواجهوا أنوار الحقيقة الفلسطينية الساطعة في وضح النهار لأنها تؤلمهم؛ وهذا يثبت أنهم فعلا ليسوا مستقلين في أفكارهم وأحكامهم ومشاعرهم، لأنهم واقعون تحت طائلة الرعب الصهيوني”، يورد كاتب الورقة.

وسجّل المصباحي أن “فقدان المفكرين الغربيين حاسة إدراك الحق يُفهم بمعنى فقدانهم حاسة التفلسف، طالما أن الفلسفة في أصلها الأولي والبريء هي البحث عن الحق”، وتابع: “بالفعل دخل هؤلاء المفكرون في سبات دغمائي صارت بموجبه أضغاث أحلامهم تزيّن لهم الظلم في هيئة الحق، “فيلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون’، خوفا من عقاب رهيب يتنظرهم إن هم صدحوا به”.

وزاد المفكر ذاته: “إن ‘تبييض’ هذه الزمرة من المفكرين الغربيين للكذب الإسرائيلي في ‘حقهم’ في الوجود، وإنكار الحق الفلسطيني الصريح في الوجود، يدل على أنهم عاجزون عن إدراك الاختلاف والتعارض، وبخاصة التعارض بين الحق والظلم، والحق والباطل، وهو ما يُدرجهم تحت تعريف ابن رشد للعامة”، ثم أضاف: “لكن من جهة أخرى بوسعنا أن نتصور علاقة إسرائيل بالغرب، أو علاقة إسرائيل الأولى بإسرائيل الثانية، بكونها علاقة متضادة؛ فالمتلقي الغربي للكذب يعرف أن إسرائيل تكذب عليه، لكنه يستلذ به ويعتبره عين الحقيقة”.

واستدرك الأكاديمي المغربي منبها إلى أنه “مع ذلك لا ينبغي أن نتخلى عن مبادئ التنوير والقيم المتصلة بها، التي تطورت ومازالت، بشكل رائع في المجتمعات الغربية، واعتبارها مجرد أكاذيب رُدّدت على مسامعنا برطانة لمدة طويلة”، مستنتجا: “إذن علينا ألا ننحي باللائمة على قيم العدل والمساواة والإنصاف والعقلانية والحرية والإنسية… دون وجه حق، فهي فتوحات تنويرية مازالت صالحة وقابلة للتطوير”.

فالمَلُوم الحق، وفق المصباحي، “خيانة بعض المفكرين الغربيين لهذه القيم، وبخاصة لرأس هذه القيم، وهي المساواة في الإنسانية بين مختلف المجتمعات، وتلميحهم بأننا، نحن العرب، لسنا أهلا لأن نكون متمتعين بهذه القيم: فإبادة أطفال غزة ونسائها وأطبائها وعلمائها وأساتذتها ومعلميها والعاملين في المستشفيات وتعذيبهم لا أهمية لها بالنسبة لهم، ولا تثير أي شعور بالمواساة والتعاطف والاستنكار، لكن أن يُقتل إسرائيلي واحد فإن دنيا الإعلام تنتفض تنديدا بالإرهاب الفلسطيني. وهذه وضعية مرعبة في تاريخ الإنسانية، لأنه حينما يتوق أن يكون هناك مكيال واحد بالنسبة لكل الإنسانية فعلينا أن نترحم على موت الأخلاق والكرامة الإنسانية؛ فالقيم الإنسانية العليا إما أن تكون شاملة وعلى حد سواء بين الناس أجمعين أو لا تكون.”

“لا حق لإسرائيل”

خلَص محمد المصباحي إلى أن الفلاسفة الألمان كذبوا على شعوبهم وعلى العالم كافة “لإخفاء فضيحة إنشاء أوروبا لإسرائيل تطهيرا لقارتهم من الساميين، ولتبرير حقها في شن الحرب تلو الحرب على الفلسطينيين”، وهكذا “صار العدم مبررا لممارسة العدم، مما يجعل كذب إسرائيل ما بعد الحداثي كذبا وقحا وكارثيا بامتياز”.

ثم أردف المفكر بأن الكذب “أصبح ‘طبيعة’ ثانية لإسرائيل بكل تياراتها اليمينية واليسارية، فهو بالنسبة لها ليس صفة عرَضية ومؤقتة، أي ليس كذبا نفسيا أو اجتماعيا أو تربويا أو أخلاقيا أو حقوقيا أو سياسيا، وإنما هو كذب أونطولوجي، أولا لأنه يشكل ماهية الدولة الصهيونية، وثانيا لأن هذه الدولة صارت مصنعا ضخما لإنتاج وفبركة الأكاذيب، واختلاق الإشاعات، ونكث الوعود، والتحلل من العهود، والتنصل من الالتزامات، احتقارا منهما للشعوب العربية والعالمية التي لا ينبغي، في نظرها، أن تعرف الحقيقة”.

وما يدل على الطابع الأنطلوجي لكذب إسرائيل “اعتبار نفسها فوق الحق والقانون، وفوق دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي أضحت مجرد مرآة لها؛ وقد بدا هذا جليا في تحدّيها الفظّ لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ولكل منتظم دولي يسهر على الكشف عن وضعية حقوق الإنسان في العالم؛ وهي لا تكتفي بعدم الاعتراف بقرارات المنظمات الدولية بالإيقاف الفوري لمحرقتها لسكان غزة، بل تتحداها بالإفراط والشطط في حدّة عدوانها على السكان والتنكيل بهم وتجويعهم والنيل من كرامتهم كلما صدر قرار أممي بالوقف الفوري للحرب”، وفق الكاتب ذاته.

ومما زاد الطين بلّة، يردف المصباحي، “أنه في هذا الجو التراجيدي الذي لا يطاق بظلمه ومآسيه انبرت كما مر بنا زمرة من الفلاسفة الأوروبيين ‘المتنورين’ لمساندة إسرائيل في الدفاع عن ‘حقها’ في الوجود، من دون أي اعتبار لما يعانيه الشعب الفلسطيني من اغتصاب لحقه التاريخي في وجوده، وحقه في مقاومة مغتصب وجوده”. وبهذه “المساندة المطلقة ‘لحق’ المحتل الإسرائيلي في الوجود وفي الدفاع عنه، والإنكار اللامشروط لحق فلسطين في الوجود وفي المقاومة، يكون هؤلاء الفلاسفة الغربيون الموقعون على عريضة المساندة أقروا ضمنيا بوجود حقَّين متضادين: اليهودي والفلسطيني، والحال أن ‘الحق لا يضاد الحق’ كما قال ابن رشد؛ وبالتالي إذا سلّمنا بصحة هذا المبدأ الرشدي فسيكون أحد الحقين باطلا، وهو في نظرنا ‘الحق الإسرائيلي’، لأنه استند إلى الكذب في انتزاع حق الغير؛ إما إذا كنا ما بعد حداثيين فقد نقول بمشروعية وجود أكثر من حق واحد، ووجود أكثر من معيار واحد للحق، وفي هذه الحالة سيكون علينا الاعتراف بتضاد الحقوق، وهو ما يؤدي إلى نفي الحق من أصله وهذا منتهى السفسطة والسفاهة”.

وأكّد صاحب الورقة أن من واجب الفلاسفة والمفكرين بالمنطقة الناطقة بالعربية أن “يصدحوا بواجب مقاومة الكذب الإسرائيلي الغربي، وأن يفنّدوا أطروحة الحق المزدوج أو تعدد الحق معا؛ ومن شأن هذا الواجب الأخلاقي والفكري والسياسي أن يحرر الفكر العربي من ربقة الاستلاب والتبعية المطلقة للفلسفة الغربية، واعتبارها غير مؤهلة في هذه النازلة الفلسطينية لأن تُملي علينا ما هو وما ليس حقا، ما هو خير وما ليس خيرا”.

وواصل المتحدث ذاته: “واجب مقاومة الكذب بالحق من شأنه أن يوقف نزيف العدمية المنتشرة في عالمنا العربي، والعودة بكل تواضع إلى روح الحداثة في كنهها الأصلي، بما تقتضيه من عقلانية وموضوعية ونقد، وأن يوقف فعل إنهاك الشعب الفلسطيني وإرهاقه بإغراقه في جو من اليأس والإحباط الذي هو البيئة المواتية لتفريخ الإرهاب الذي هو وليد الكذب السياسي والثقافي والإيديولوجي في أعلى صوره”.

مقاومة الكذب

يدعو المصباحي إلى نهوض الفكر العربي بمهمة “المقاومة الفكرية” لـ”إيقاف ازدراء هذه الدولة المارقة للعدالة الدولية وللقيم الأخلاقية الإنسانية، وبذل قصارى جهدنا كيلا ينتصر البطلان الإسرائيلي على الحق الفلسطيني، لأن ذلك من شأنه أن يكرس نظاما عالميا كلّيانيّا قائما على الغش والكذب، وذلك بالدعوة إلى إنشاء محكمة دولية خاصة بمراقبة الكذب الدولي كيلا يتم تكريس نظام عالمي قائم على الكذب، والعمل على أن يصبح للحق والمنطق السليم السيادة في العلاقات الدولية (…) ولدرء مخاطر الكذب على شبابنا علينا أن نهتم به علميا بالمطالبة بخلق قسم خاص للكذب في مدارسنا وجامعتنا ومراكز بحثنا، أولا لدراسته دراسة علمية وفلسفية، وثانيا لتدريسه لناشئتنا حتى يكونوا على محجة العقل”.

وعدّد محمد المصباحي خطوات لمقاومة “هذا المدّ من الكذب المركّب، الغربي الإسرائيلي”، أولها: “بما أن الكذب الإسرائيلي ذا طبيعة ميتافيزيقية بحكم شموليته، إذ إنه لا يكتفي بإنكار حق الفلسطينيين في الوجود وحسب، بل ويهدد الوجود البشري على هذه الأرض عن طريق إفساد ميله الفطري للحق والصواب والصدق، وإشعال نار الفتنة والهيمنة في كل مكان، وتهديد التنوع الحضاري والثقافي في العالم بفرض ثقافة الرياء والنفاق والخداع والمراوغة والمكر والافتراء والكذب على العالم، فإنه ينبغي أن تكون مقاومة الفكر العربي لمرض الكذب الإسرائيلي شاملة: بالفكر النظري النقدي، وبالعمل الجَمعوي المدني، وبالعمل السياسي الذي تقوم به الأحزاب السياسية”.

وبما أن “الكذب الإسرائيلي كذب مطلق لا كذب نسبي فعلى مقاومة الفكر العربي له أن تكون مقاومة مطلقة وشاملة”؛ وتشمل مقاومة أطروحة ليو شتراوس “الذي أول نيتشه تأويلا رديئا بالقول إن ‘الحقيقة فظيعة’ و’عقيمة وقاسية’ وتتسم بالظلامية والخسة، وإنها تشكل تهديدا للنظام والاستقرار السياسي العالمي”، علما أن لِشتراوس “تأثيرا بليغا على كثير من الفلاسفة الغربيين الذين أصيبوا بعمى الألوان”. كما على المفكر نقد “الأسطورة التي تقف وراء تأييد قطاع كبير من المسيحيين لإسرائيل، وحرصهم على انتصارها على المقاومة الفلسطينيين، وهي أسطورة عودة المسيح، وتعويضها بشعار عودة الحق”، مع إعادة الأمور إلى نصابها “بإحياء التقليد المأثور الذي يعرّف الإنسان بالحق (…) ما دام الحق من ثمرات العقل الذي هو ماهية الإنسان”، وفق المصدر ذاته.

ومبدأ مقاومة المد التضليلي الثاني هو “أن لا تكون مواجهة الكذب بالكذب، كأن نعتبر الكذب جزءا من المقاومة الثقافية، بل ينبغي أن تكون مقارعة الكذب بالحق، والتصدي للباطل بالصدق، لأن الواجب يقضي أن يكون الإنسان صادقا في قول الحق مهما كانت العواقب والتبعات التي ستترتب على واجب الصدح بالحق؛ فالإنسان ليس حرا في أن يقول الحق أو لا يقوله، بل من واجبه أن يقول الحق في جميع الأحوال”، يورد الكاتب.

أما ثالث مبادئ المقاومة لـ”الإفك والبهتان” أن “يتصدى الفكر العربي لخرافات إسرائيل وتخرصاتها انطلاقا من إيمانه بأنه يتكلم باسم الإنسانية جمعاء من أجل إنقاذها من الغرق في ‘جحيم’ العدَمية واليأس؛ ذلك أن مقاومة الفكر العربي للإيديولوجيا الإسرائيلية الغربية الرامية إلى تحويل ‘العالم إلى كذب في كذب’ يؤهّل هذا الفكر لأن يكون ضمير الإنسانية الحي، وهذا بفضل نضال ومقاومة أهل غزة بخاصة، وأهل فلسطين بعامة”، وفق الورقة.

وبعبارة أخرى للمفكر محمد الصباحي: “مهمة مقاومة الكذب المركب الإسرائيلي الغربي تمكّن الفكر العربي من أن يقوم بواجب إيقاظ الغرب من سباته السياسي والفكري بتنبيهه إلى ضرورة التوقف عن إلباس الحداثة لباس ‘ما قبلها’ كما يفعل الإرهاب الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية منذ عقود، إذ يستندون إلى أساطيرهم التوراتية لتبرير اغتصابهم لأرض الشعب الفلسطيني وإبادة سكانها باسم الحداثة الديمقراطية”.

spot_img