رصد الباحث سعيد بنيس “علاقة متوترة” تجمع اليوم من سماهما “المثقف الكلاسيكي” و”المثقف الديجيتالي”، مردفا بأن “كليهما يعيشان في عالم مختلف عن الآخر؛ فالأول يعتبر أن العالم الافتراضي هو عالم دون جدوى، وأن التأثير في المجتمع يأتي من خلال ثقافة تعتمد على الكتابة والتدوين في الدعامات الكلاسيكية، كالصحف والكتب، وأن المواقع الافتراضية ليست فعالة، ولا تأثير لها على الدينامية المجتمعية الواقعية”.
نتيجة هذا التصور الثاني أن ظهور المثقفين “الكلاسيكيين” في “العالم الافتراضي”، وفق بنيس، “ظهور محتشم ونادر”، في مقابل “المثقف الديجيتالي دائم الحضور، والمتوفر على حساب وحائط وصفحة وقناة، يتفاعل يوميا ويتفاوض في حينها حول جميع الإشكالات المجتمعية، ويعتبر أن دوره أضحى دورا محوريا في الحياة المجتمعية.”
هذا ما جعل حضور “المثقف الديجتالي”، حسب ورقة الباحث، “ينحو منحى الإدمان الديجيتالي، والمراقبة المستمرة، والملاحظة الآنية”.
وبعيدا عن هذه “الملاحظة الآنية” والرصد المستمر “ينتظر المثقف الكلاسيكي حتى يجمع الوقائع ويتفحص المعطيات، ويمسك بالموضوع من جميع الزوايا، ليختار المقاربة المناسبة والفعلية، لكي ينتج عملا ذا جدة وجدوى”؛ وبالتالي “غالبية المثقفين الكلاسيكيين يعتبرون أن ما يُنتج في الافتراضي هو سطحي، ودون عمق فكري، وهو نتاج لتفاعلات عابرة”.
وتحدث سعيد بنيس عن نوع ثالث من المثقفين، يقع “بين المثقف الكلاسيكي والمثقف الديجيتالي”، وأسماه “المثقف الكلاسيكي الديجيتالي”؛ وهو “ذاك المثقف الذي يتعامل مع العالم الافتراضي بالاستعداد الشخصي نفسه والبرنامج الفكري الذي ينشط فيه في الدعامات الكلاسيكية؛ فيكتب وينشر ويتقاسم ويتشارك تدوينات موضوعية ونصوصا علمية لا يروم من خلالها جمع “اللايكات” أو الربح المادي أو استجداء المتابعين، ولكنه يهدف إلى توعية المجتمع الافتراضي وتصويب بعض الأفكار الخاطئة”.
ويعمل هذا “النوع الثالث من المثقفين” على “أن يكون العالم الافتراضي عالما يمكن أن يشكل جسرا للتداول والتفاوض حول أفكار وتوجهات وقيم إيجابية، تحترم الثقافات، والاختلافات، والابتعاد عن جعل الفضاء الافتراضي فضاء لخطاب الكراهية، وثقافة العنف، وسيولة التفاهة، والحروب الافتراضية”، وفق البحث ذاته.
ويدافع الباحث عن أهمية هذا النوع الثالث من المثقفين، المنخرط “من خلال توجهاته، ومنظوره وفلسفته الكلاسيكية، في عالم جديد متحول وسائل يعتمد الخواريزميات الرقمية، والمشاعية الافتراضية، والانعزالية الديجيتالية”، في فعل ثقافي داخل “الفضاء الافتراضي”؛ “يكسر القطيعة بين المثقف الكلاسيكي والمثقف الديجيتالي، ويشكل تجاوزا وتحديا جديدا لهذه القطبية الثنائية”.