هل أنصفت مدونة الأسرة المغربية 2025 المرأة المغربية بعد التعديلات؟

0
42

مدونة الأسرة الجديدة: إصلاحات قانونية في مواجهة تحديات الأسرة المغربية

حوار مع الأستاذ المحامي أشرف أولاس، محامي بهيئة طنجة و باحث في مجال حقوق الإنسان.

إعداد: ندى.م، صحفية في دياز 24

في إطار الإصلاحات التشريعية التي تعرفها الأسرة المغربية، طرأت تعديلات مهمة على مدونة الأسرة، تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة وتنظيم علاقات الأسرة بشكل يراعي مصلحة جميع الأطراف. في هذا الحوار، يسلط الاستاذ المحامي أشرف أولاس، محامي بهيئة طنجة و باحث في مجال حقوق الإنسان، الضوء على أبرز التعديلات القانونية، والتحديات التي تواجه تطبيقها.

التعدد: من الفهم التقليدي إلى الضوابط الجديدة

أكد الأستاذ المحامي أولاس أن مدونة الأسرة الجديدة حددت التعدد بشكل صارم، حيث أصبح مقتصراً على حالات استثنائية مثل العقم أو المرض المزمن الذي يمنع المعاشرة الزوجية.

وأوضح أن «الموافقة المسبقة للزوجة الأولى لم تعد كافية، بل لابد من تحقق المحكمة من الظروف الموضوعية قبل السماح بالتعدد».

وأشار إلى أن هذه الضوابط جاءت لتعكس تطوراً اجتماعياً وقانونياً، في ظل مطالبات متزايدة بحماية حقوق المرأة ومساندتها.

وأضاف أن التعدد لم يعد يُقبل بصفة عادية أو مسبقة، بل بات منحصراً في شروط محددة وصارمة.

الحضانة والنيابة القانونية: حق مشترك ومصلحة الطفل أولا

حول موضوع الحضانة، أشار المحامي إلى أن القانون الجديد جعل الحضانة حقاً مشتركاً بين الزوجين، سواء أثناء الزواج أو بعد الطلاق.

وأضاف: «يهدف هذا التعديل إلى ضمان رعاية متوازنة للطفل، مع تمكين الطرفين من ممارسة حقوقهم ومسؤولياتهم القانونية».

ومع ذلك، أكد أن التطبيق يواجه عدة صعوبات، منها ضعف التواصل بين الأطراف، وضغوط الحياة اليومية التي تؤثر على التوازن الأسري، خصوصاً أن بعض الآباء يواجهون صعوبات في رؤية أبنائهم بعد الطلاق، خاصة في حالة الزواج من جديد، مما يؤثر على الروابط الأسرية.

الاعتراف بالعمل المنزلي: خطوة في طريق المساواة

يعتبر الاستاذ المحامي أولاس الاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة ضمن مدونة الأسرة خطوة نوعية، حيث أصبح العمل داخل المنزل معترفاً به كجزء من الثروة الزوجية. وقال: «هذا التغيير يعكس تقديراً حقيقياً للدور الذي تقوم به المرأة، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية».

وأضاف أن هذا الاعتراف يأتي في سياق سعي المغرب لمواكبة المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويعطي حقاً للمرأة في المشاركة في الثروة المتراكمة خلال الزواج، حتى وإن لم تكن مداخيلها مباشرة من عمل خارج المنزل.

الإرث وسن الزواج: تغييرات مهمة رغم التحديات

في موضوع الإرث، أشار المحامي إلى أن المساواة لم تتحقق بعد، لكنه رحب بالخطوات التي أزالت بيت الزوجية من التركة، مما يحفظ حقوق المرأة في السكن بعد وفاة الزوج.

أما بخصوص سن الزواج، فقد تم تحديده نهائياً في 18 سنة، مع استثناءات ضيقة تحكمها المحكمة فقط في حالات خاصة، وذلك لمنع الزواج المبكر وحماية القاصرين. وتم إلغاء الإذن بزواج القاصر إلا ضمن شروط ضيقة جداً.

تسهيل توثيق الزواج والطلاق: خطوات لتيسير الحياة الأسرية

تم تبسيط إجراءات توثيق الزواج للمغاربة الذين تزوجوا خارج المغرب، مما يسهل من تسجيل الزيجات والحقوق المرتبطة بها.

وكذلك تم وضع آجال محددة للبت في قضايا الطلاق، بحيث يلزم القاضي بحسم القضية في مدة زمنية محددة، وهو ما يهدف إلى تقليص الآثار النفسية والاجتماعية للطلاق على الأسرة.

التحديات في التطبيق القضائي: ضغط العمل وأهمية الموارد

وختم الاستاذ المحامي حديثه بالتأكيد على أن التحدي الأكبر يكمن في التطبيق العملي للقانون، حيث يعاني القضاة من ضغط كبير وعدد هائل من القضايا، مما يعرقل جودة تنفيذ الأحكام.

وقال: «يتطلب الأمر تحسين البنية التحتية القضائية وتوفير الموارد اللازمة، إلى جانب تعزيز التدريب المهني لجميع الفاعلين القضائيين لضمان تحقيق العدالة».

موقف الأطراف المختلفة والرسائل للمواطنين

نفى المحامي أشرف أولاس وجود أطراف رافضة بشكل مباشر لهذا القرار، موضحاً أن كل الأطراف تلتقي على أن التعديلات مهمة، لكن توجد بعض الخلفيات المختلفة التي تؤثر في مواقف بعض الناس، سواء كانت حقوقية، سياسية، أو دينية.

وأوضح أن «هذه الخلفيات قد تخلق أحياناً اختلافات في الفهم أو التأويل، لكنها لا تعني رفضاً صريحاً للمدونة الجديدة».

وأضاف أن الرسالة التي يوجهها للمواطنين هي أهمية الاطلاع والوعي بمضامين التعديلات، وفهم أن الهدف الأساسي منها هو حماية حقوق المرأة والطفل، وتعزيز مصلحة الأسرة بشكل عام.

وشدد على ضرورة الحوار المفتوح والنقاش البناء، لتجاوز أي لبس أو مخاوف، مع الحفاظ على القيم المجتمعية.

تبقى التعديلات التي عرفتها مدونة الأسرة سنة 2025 جزءاً من مسار تاريخي طويل راكمه المغرب في مجال حماية المرأة وتمكينها.

فمنذ قرون، تميّزت المملكة برؤية معتدلة في فقه الأسرة، تحرص على التوازن بين مقاصد الشريعة وواقع المجتمع.

وقد واصل المغرب في العهد الحديث، تحت القيادة الملكية، ترسيخ مكانة المرأة كفاعل أساسي داخل الأسرة والمجتمع، من خلال إصلاحات متتالية تعزز كرامتها وحقوقها.

وإذا كانت مدونة 2025 خطوة قانونية، فإنها أيضاً تجسيد لقيم مغربية راسخة في الإنصاف والعدل، وتسير في اتجاه بناء مجتمع أكثر تماسكاً وإنصافاً، تُحترم فيه المرأة، لا باعتبارها موضوع حماية فقط، بل شريكة كاملة في البناء.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا