دخلت بريطانيا محتلة إلى فلسطين والقدس في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول عام 1917، وقبل هذا الانتصار العسكري بشهر كامل أعلن وزير الخارجية البريطانية اللورد بلفور وعده الشهير بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ولما نجحت بريطانيا في إعلان احتلالها الذي استمر 31 عاما حتى مايو/أيار 1948، فقد عملت طوال هذه الفترة بكل قوتها، ورغم المقاومة العربية الشرسة في فلسطين وانتفاضاتها المتوالية، من أجل تنفيذ وعدها، وذلك عبر فتح باب الهجرة لليهود ودعمهم وإنشاء المستوطنات لهم، وإمدادهم بالسلاح والتغاضي عن ممارساتهم العنيفة. وفشلت فيما بعد الدول العربية السبع، مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان والسعودية واليمن، في مهمة إنقاذ فلسطين التي أطلقوا جيوشهم نحوها في مايو/أيار 1948.
ورغم تحرر معظم دول العالم من الحقبة الاستعمارية القديمة التي بدأت في القرن التاسع عشر، ومنها منطقتنا العربية، فإن فلسطين تحديدا لا تزال خاضعة لهذا الاحتلال منذ عام 1917؛ إذ لم يكن خروج البريطانيين من فلسطين سنة 1948 سوى إيذان بتسليمها للحركة الصهيونية التي سرعان ما أعلنت عن قيام دولتها « إسرائيل » فوق الأراضي الفلسطينية المُغتصبة.
ولكن السؤال الذي طالما حارَ المؤرخون والباحثون في الإجابة عنه: لماذا دعمت بريطانيا الحركة الصهيونية دعما غير محدود، وكانت ولا تزال بجوار الولايات المتحدة أكبر داعمي إسرائيل حتى يومنا هذا؟ وما السر الذي جعل الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، وآخرهم جو بايدن، ومن قبلهم الإمبراطورية البريطانية، يعلنون دون مواربة أنه إذا لم تكن توجد إسرائيل لاخترعوها وأوجدوها؟
تُعَدُّ إجابة هذا السؤال مركبة، وهي في جانب منها تتعلق بالتراث الديني البروتستانتي تحديدا، وتاريخ العلاقات الإسلامية بالغرب في زمن الحروب الصليبية، حيث تجمعت المصالح الدينية والسياسية والثقافية والإستراتيجية معا لإنشاء إسرائيل ودعمها من قِبَل البريطانيين ثم الأميركيين فيما بعد.
لكننا يجب أن نرجع قليلا لفهم منطق « أرض الميعاد » لما له من أهمية في هذا الصدد. لقد استطاع اليهود إنشاء مملكة قديمة بعد زمن موسى -عليه السلام- في عصر حفيديه داود وسليمان -عليهما السلام-، وانقسمت مملكتهم بعد وفاة سليمان إلى مملكة الشمال « إسرائيل » ومملكة الجنوب « يهوذا »، وذلك قبل الميلاد بألف عام ونيف. ولكن هجوم الآشوريين القادمين من العراق بقيادة سرجون الثاني سنة 721 ق.م، ثم هجوم البابليين بقيادة نبوخذ نصَّر سنة 586 ق.م، أدى إلى تدمير هذه الممالك، واستعبادهم وسوقهم أسرى إلى بابل، ومنذ ذلك التاريخ وحلم العودة يراود بعضهم.