لم يحدث قط أن قتل هذا العدد الكبير من الصحفيين في مثل هذا الوقت القصير، لا في الحربين العالميتين، ولا أثناء الحروب في فيتنام والبوسنة والعراق وأفغانستان، ولا حتى في أوكرانيا، ولم يسبق أن كان الصراع مميتا إلى هذا الحد بالنسبة لمهنة إعداد التقارير، ولذلك قام موقع ميديا بارت بالتحقيق في مأساة 81 صحفيا قتلوا في غزة وجنوب لبنان منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، علما أن العدد الإجمالي للشهداء من الصحفيين حتى الآن تجاوز 120 صحفيا.
وذكّر الموقع -في تحقيق مشترك بين يونس أبزوز ورشيدة العزوزي- أن 81 صحفيا قتلهم الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب لجنة حماية الصحفيين، وهي منظمة مستقلة مقرها الولايات المتحدة، تدافع عن حرية الصحافة وحق الصحفيين في نقل الأخبار بأمان ودون خوف من الانتقام.
وتعد هذه الخسائر هي الأكبر بالنسبة للصحفيين في تاريخ الحروب الحديثة، إلى درجة أنها تنتهي بتجريد الموتى من إنسانيتهم بتحويلهم إلى مجرد أرقام، ولأن غزة -كما يقول الكاتب الفلسطيني كريم قطان- “ليست فكرة مجردة، بل أماكن وحياة وأشخاصا يختفون تحت القنابل”، فنحن مدينون للقتلى بألا نجعلهم مجرد أرقام، وبأن نعيد إليهم أسماءهم ووجوههم وتاريخهم، وعلينا إظهار الحجم غير المسبوق لمحاربة الحق في نقل الأخبار وفي المعرفة.
ولذلك تعهد ميديا بارت بإظهار هوية الصحفيين الذين قتلوا حتى الآن رغم صعوبة المهمة، بسبب حجم الكارثة الإنسانية في غزة والحصار الإعلامي الذي تفرضه إسرائيل، بحظرها وصول وسائل الإعلام الدولية إلى القطاع.
أما الصحفيون الوحيدون الذين تمكنوا من توثيق ما يحدث في غزة، فهم الفلسطينيون الذين يعملون في ظروف مروعة تحت القنابل والحصار الكامل، ولا يتخذون الصحافة مجرد مهنة، بل هي سلاحهم لتنبيه العالم إلى المجزرة المستمرة وكسر اللامبالاة ولفت انتباه العالم إلى محنة شعبهم.