من المنصور إلى الجادرية: رحلة مهرجان وقصة باشا

0
45

في قلب بغداد التي تنفض عنها غبار الألم وتستعيد نبض الحياة، ينهض مهرجان بغداد السينمائي كنافذة أمل، وفضاء للفن والحوار والتلاقي. ليس مجرد تظاهرة فنية، بل إعلان عن عودة الروح إلى مدينةٍ عريقة، عبر الكلمة والصورة والشاشة الكبيرة. في هذا السياق، يبرز بعض الأسماء ممن تركوا أثراً خاصاً في ذاكرة المهرجان… من بينهم، شخصية لا تُنسى، حاضرة بهدوئها وفاعليتها: « الباشا حكمت ».

د. بلقاسم السهلي

في بغداد، مدينة التناقضات والصمود، تستعيد الكلمة معناها الحقيقي. كما قال المتنبي:
« على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الكرام المكارم. »
وفي هذا الجو المليء بالحيوية السينمائية، برز رجل بحضوره الهادئ وفعاليته اللافتة: حكمت البيضاني، الذي يلقبه المقربون منه بمحبة بـ »الباشا ».

في كل أروقة المهرجان، تراه حاضراً. هادئ الطبع، أنيق، نشيط، ومترفّع عن الصغائر. وبعد إنهائه لمهامه الإدارية اليومية كمدير للمهرجان، كان يجد وقتاً للجلوس مع الضيوف، يتبادل معهم أطراف الحديث، يروي الطرائف والذكريات، بابتسامته المعتادة، فخوراً بنجاح المهرجان رغم التحديات المحيطة به.

عرفناه منذ زمن بعيد، زميلاً راقياً ومخرجاً موهوباً، تألق في تسعينيات القرن الماضي من خلال إخراجه لعدد من الفيديو كليبات التي طبعت تلك المرحلة. وقد ساهم هذا اللون الفني، الذي اجتاح الشاشات العربية حينها، في تكوين جنس بصري قائم بذاته، وكان لحكمت دور رائد في ذلك.

« الباشا »، كما يسميه الجميع، لم يخفِ فرحته وهو يصرّح للإعلام قائلاً: « بغداد في طريقها لاستعادة بريقها الإبداعي. »
فبفضل إدارته الحكيمة، تمكن المهرجان من جمع صناع السينما والنقاد والفنانين من مختلف أنحاء العالم. جمعهم شغف الفن السابع، ليتقاسموا رؤاهم حول الحياة — بين الفرح والألم والأمل — في فضاءات المنصور، والرشيد، والجادرية، وعلى ضفاف دجلة الخير.

لم يكن المهرجان مجرد تظاهرة سينمائية، بل كان إعلاناً عن ولادة ثقافية جديدة. رسالة إلى العالم بأن بغداد، رغم كل شيء، لا تزال تتنفس فناً وحياة.

دمت بخير، أيها الباشا.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا