تقع طرفاية في أقصى جنوب المغرب، حيث تلتقي رمال الصحراء بالمحيط الأطلسي، وتضم مكانًا يحمل تاريخًا عريقًا وعاطفيًا: متحف أنطوان دي سانت-إكزوبيري في طرفاية. هو فضاء يعبر الزمن، حيث يلتقي تاريخ البريد الجوي مع الأدب الخالد، ولا يزال روح « الأمير الصغير » يطوف في الأرجاء.
في عام 1927، عُين أنطوان دي سانت-إكزوبيري رئيسًا للمحطة الجوية في طرفاية، حيث أمضى 18 شهرًا من العزلة في مواجهة الصحراء اللامتناهية وصمتها، ليكتب أولى تأملاته وأفكاره عن الإنسان. كانت تلك الفترة تمهيدًا لإنتاجه الأدبي الكبير مثل « البريد الجوي »، « أرض البشر » و »الأمير الصغير »، الذي يبدو أن صورته مستوحاة من هذه الأماكن.
أنشئ المتحف في 2004 بتعاون بين جمعية « ذاكرة البريد الجوي » الفرنسية وجمعية « أصدقاء طرفاية » المغربية، ويهدف إلى الحفاظ على إرث البريد الجوي، مع وضع المدينة على الخريطة الثقافية العالمية.
وأشار مرابيح رابو شايباتا، مدير المتحف، إلى أن « الإنتاج الأدبي الغزير لأنطوان دي سانت-إكزوبيري منح طرفاية إشعاعًا دوليًا ». وأضاف أن المتحف شهد زيادة مستمرة في عدد الزوار من داخل وخارج المغرب، ما يعكس الجهود المستمرة لتعزيز هذا الإرث.
ويشمل المتحف أيضًا معارض مؤقتة، ومحاضرات، ومسابقات رسم للأطفال، وزيارات مدرسية، بهدف إحياء مكانة طرفاية في الذاكرة الجماعية وتحويل التراث إلى أداة للتنمية وجذب الاستثمارات.
لا يقتصر دور المتحف على الحفاظ على الذاكرة التاريخية لهذه المنطقة فقط، بل يساهم أيضًا في تعزيز الوعي الثقافي من خلال تنظيم فعاليات مثل « رالي الطيران » و »مهرجان البريد الجوي »، حيث يعود الطيارون إلى هذا المكان لإحياء ذكرى أولئك الذين عبروا الصحارى في العشرينات لنقل البريد بين القارات.
وفي ظل هذه الذاكرة الحية، تواصل طرفاية إلهام الأجيال الجديدة، وتعلمهم أن أي عقبة ليست مستحيلة وأن خلف كل رسالة حملها الطيارون، كان هناك رجل، ومحرك هزيل، وصحراء لابد من عبورها، وأحيانًا رئيس محطة يكتب أحد أعظم الكتب في الأدب العالمي.

