في اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في مارس/آذار 2020، كان من الممكن أن يمر الاجتماع دون أن يثير الكثير من الاهتمام. إلا أن التصويت في الجلسة أظهر تحولاً واضحاً في توازن القوى في القرن الأفريقي. رفضت الصومال مشروع قرار قدمته القاهرة إلى جامعة الدول العربية بشأن سد النهضة الإثيوبي، والذي كان يؤكد حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. الموقف الصومالي لم يكن منفرداً، فقد ترددت أصداؤه في يونيو/حزيران من نفس العام، حيث تحفظت مقديشو وجيبوتي على بند في قرار مشابه.
نجاح إثيوبيا في استقطاب حلفاء مصر التقليديين في شرق أفريقيا يعكس ديناميكية السياسة الخارجية لأديس أبابا وقدرتها على بناء شبكة مصالح قوية مع جيرانها. هذا النجاح يعبر عن ما وصفه الكاتب المصري فهمي هويدي بغياب مصر عن أفريقيا، واكتفائها بـ”الفهلوة” بدلاً من تبني استراتيجية واضحة.
تاريخ العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا والقاهرة يكشف عن عمق التحولات التي شهدتها المنطقة. فقد وصف أحد الدبلوماسيين الصوماليين السابقين العلاقة بين بلاده وإثيوبيا بأنها كانت تنطوي على شعور “بتهديد وجودي” من الطرفين، حيث شهدت البلدان صراعات عنيفة عبر التاريخ. في المقابل، كانت مقديشو قد امتنعت عن مقاطعة القاهرة بعد اتفاقية كامب ديفيد، وأرسلت كتيبة مدفعية للمشاركة في حرب أكتوبر 1973.
الخبير الإثيوبي مدهني تادسي يرى أن النفوذ الإقليمي لإثيوبيا الذي ترسخ خلال فترة حكم الجبهة الثورية الديمقراطية لشعوب إثيوبيا (1991-2016) اعتمد على عوامل داخلية وإقليمية ودولية. فقد تطورت رؤية القيادة الإثيوبية منذ التسعينيات إلى تحويل إثيوبيا من دولة فقيرة إلى بلد أكثر إنتاجية، مما مكنها من التنافس بشكل أفضل ومواجهة التهديدات الإستراتيجية القادمة من مصر.
بدأت إثيوبيا هذا التحول من خلال الحفاظ على استقرار سياسي داخلي نسبي، رغم التحديات العرقية والاضطرابات. وقد تمكنت الحكومة بقيادة ملس زيناوي من تنفيذ نقلة اقتصادية كبيرة حولت البلاد من ثالث أفقر دولة في 2000 إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. كما عملت إثيوبيا على بناء جيش قوي، وأقامت شراكات أمنية مع القوى الغربية، مما منحها دعماً اقتصادياً وسياسياً جعلها “شرطي المنطقة” المعتمد عليه لسنوات.
في الصومال، استفادت إثيوبيا من انهيار الدولة وتراجع دور إريتريا بسبب العقوبات، حيث ملأت الفراغات وأقامت شبكة مصالح مع جيرانها، بما في ذلك مقديشو. قامت إثيوبيا بدور رئيسي في البعثة الأفريقية لحفظ السلام في الصومال (أميصوم) وخليفتها (أتميس)، ومرت علاقة أديس أبابا بمقديشو عبر قنوات عديدة من التعاون والتفاهم.
جيبوتي أصبحت المنفذ البحري الرئيسي لإثيوبيا بعد قطيعة مع إريتريا، حيث تحول ميناء جيبوتي إلى معبر رئيسي للواردات والصادرات الإثيوبية. شهدت العلاقات بين البلدين توثيقاً ملحوظاً من خلال مشاريع البنية التحتية مثل خط سكة الحديد ومشاريع الربط الكهربائي.
مع ذلك، بدأ التحالف الثلاثي بين إثيوبيا وإريتريا والصومال في فقدان زخمه بسبب التوترات المستمرة، مثل أزمة تيغراي وتوترات حول الاتفاقات الإقليمية.
في ظل هذا السياق، ارتفعت النشاطات الدبلوماسية المصرية في القرن الأفريقي منذ مايو 2021، مع الزيارة الأولى للرئيس المصري إلى جيبوتي. القاهرة تسعى لتوسيع دورها في المنطقة من خلال تعزيز علاقاتها مع دول مثل الصومال وجيبوتي، وفي محاولة لاستعادة تأثيرها من خلال شراكات أمنية وعسكرية وتعزيز التعاون الاقتصادي.