منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، واجه الفلسطينيون تحديات كبيرة في الوصول إلى مواردهم الطبيعية، وأحد أبرز هذه التحديات هو أزمة المياه التي ازدادت تفاقمًا مع مرور الوقت. نُوقشت هذه القضية في ندوة عُقدت في معهد “آي إتش إي دِلفت” لعلوم المياه التابع لمنظمة يونسكو في أمستردام، يونيو/حزيران الماضي، حيث أكّد الخبراء أن فلسطين افتقدت للعدالة المائية منذ 1948.
التغيرات الجغرافية وتأثيرها
بدأت الجلسة باستعراض التغيرات الجذرية في الخريطة الفلسطينية، حيث تضاءلت الرقعة الجغرافية التي يتحكم فيها الفلسطينيون منذ “قدوم الحركة الصهيونية إلى فلسطين بغرض إنشاء دولة يهودية”، على حد تعبير المهندسة المتخصصة في علوم المياه ميشيل رودولف. هذا التقلص الجغرافي أدى إلى حرمان الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية.
اتفاقية أوسلو والسيطرة الإسرائيلية
أوضحت رودولف أن الفلسطينيين يعانون أزمة مائية حقيقية، أسهمت السياسات الدولية في تفاقمها، منها اتفاقية أوسلو المبرمة عام 1993، والتي قسّمت أرض فلسطين إلى ثلاث مناطق، تقع أغلبها تحت سيطرة سلطات الاحتلال. وأكدت المتخصصة في مجال البيئة بجامعة لندن منى دجاني أن فلسطين تمتلك موارد لا يحق للفلسطينيين استخدامها، حيث إن دولة الاحتلال هي المسؤول الوحيد عن البنية التحتية المائية في فلسطين، وتقوم بإنشاء شبكات المياه بما يخدم مصالحها، وتحرم الفلسطينيين من إدارتها.
الفجوة في استهلاك المياه
ذكرت رودولف أن منظمة الصحة العالمية قد أقرّت أن نصيب الفرد من المياه يجب أن لا يقل عن 100 لتر يوميًا، بينما يحصل المواطن الفلسطيني على نحو 73 لترًا فقط. في المقابل، يحصل كل قاطن في المستوطنات بمنطقة وادي الأردن على 487 لترًا يوميًا، مما يوضح غياب العدالة المائية بشكل واضح.
الاعتماد على المياه الجوفية
بما أن المياه القادمة من نهر الأردن تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، يعتمد الفلسطينيون على مياه الآبار الجوفية، التي يقع نحو 66% منها تحت سيطرة الاحتلال. بالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير المختصة في دبلوماسية المناخ والمياه لميس قديمات إلى أن 97% من المياه الجوفية في قطاع غزة غير صالحة للشرب.
العلوم والسياسات غير الملائمة
أوضحت قديمات أن المجتمع الأوروبي لا يدرك تمامًا مشكلات الفلسطينيين، ويطرح سياسات نظرية غير قابلة للتنفيذ. وذكرت أن المفاهيم التي تعلمتها في أوروبا غير واقعية لفلسطين، مشيرة إلى أن السيطرة الإسرائيلية على الموارد تجعل من الضروري تطوير مناهج بحثية تتبنى آراء الباحثين من المناطق المنكوبة.
دور العلماء والباحثين
أكدت قديمات على محدودية دور الأكاديميين في حل مشكلة غياب العدالة المائية في فلسطين، ووصفت المشكلة بأنها “سياسية بحتة” تتعلق بمحاولات الاحتلال التحكم في حياة الفلسطينيين. وأضافت أن إشراك الباحثين المحليين والمجتمع المعني في تطوير الحلول يمكن أن يكون أكثر فعالية.
منذ عام 1948، فقدت فلسطين العدالة المائية نتيجة للاحتلال الإسرائيلي والسياسات الدولية التي تفاقمت على مر السنين. الحلول النظرية من الخارج غالبًا ما تكون غير قابلة للتنفيذ في الواقع الفلسطيني، مما يستدعي تطوير حلول محلية تشارك فيها جميع الأطراف المعنية لتحقيق العدالة المائية المنشودة.