في مركز مراقبة بعثة الفضاء، ينكبّ مجموعة من المهندسين على شاشات رقمية يغلبها اللون الأزرق الفاقع، يتابعون ويسجلون الملاحظات بنهمٍ وحذر. كان مكوك الفضاء خارج الغلاف الجوي يقترب من محطة الفضاء الروسية « مير »، وهي الرحلة الأولى من نوعها ضمن اتفاقية مشتركة بين أمريكا وروسيا بعد انتهاء الحرب الباردة. اللحظة الحاسمة جاءت عندما التحمت المركبة الأمريكية بالمحطة الروسية، وتبادل الطاقمان التحيات والتراحيب، في خطوة تجسد سعي واشنطن للاستفادة من الخبرة الروسية في المكوث في الفضاء.
كان الروس على وعي تام بأن المنافسة مع أمريكا في مجال الفضاء تتطلب جلادة كبيرة وتضحيات ضخمة. ومن هنا، أظهروا تصميماً كبيراً على مشروعهم طويل الأمد للتكيف مع أصعب البيئات على الإطلاق، بيئة الفضاء الخارجي. يعتبر رائد الفضاء الروسي فاليري بولياكوف، الذي قضى 437 يوماً في الفضاء بشكل متواصل، رمزاً لهذا الإصرار. ورغم فخره بإنجازه، لم يكن مدركاً تماماً للأخطار الجسيمة على الجسم البشري الناتجة عن البقاء الطويل في الفضاء.
الفضاء الخارجي بيئة معادية؛ فهناك الإشعاعات الكونية الفتاكة، نقص الجاذبية، والانعزال الشديد عن الأرض. هذه العوامل تؤدي إلى أضرار بدنية ونفسية وعقلية خطيرة على رواد الفضاء. لحسن الحظ، تتمتع الأرض بحماية طبيعية عبر الغلاف المغناطيسي وطبقة الأوزون، التي تمنع غالبية الأشعة الضارة من الوصول إلى سطحها.
الغلاف المغناطيسي للأرض يعمل كدرع خفي ينطلق من القطبين، مشكلاً فقاعة حلقية تمنع الجسيمات المشحونة من الوصول إلى الأرض. هذا الدرع يتغير سمكه بسبب ضغط الرياح الشمسية، وقد يمتد إلى 600 ألف كيلومتر في المنطقة المعروفة بالذيل المغناطيسي. الغلاف المغناطيسي يتسبب في تجمع الجسيمات المشحونة في حزام « فان ألين » الإشعاعي، وهو منطقة خطرة على المدى القريب.
توجد عدة مراكب فضائية مدارية مثل القمر الصناعي « جيوتايل » تدرس الغلاف المغناطيسي للأرض عن كثب. على سطح الأرض، يمكن ملاحظة تأثير الغلاف المغناطيسي في ظاهرة الشفق القطبي، التي تنتج عن تفاعل الجسيمات المشحونة مع جزيئات الهواء في أعالي الغلاف الجوي، مكونةً مزيجاً خلاباً من الألوان.


