حضرات السيدات والسادة الأفاضل
“يطيب لي في مستهل هذه الكلمة، أن أعرب لكم عن سروري ومدى اعتزازي، وأنا بينكم، للمشاركة في أشغال مؤتمر انطلاق برنامج الجنوب الخامس، الذي سينكب على بسط وتقريب مبادئ “ حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية من خلال المعايير المشتركة في جنوب البحر الأبيض المتوسط “.
وهي مناسبة تتجدد من خلالها علاقات التعاون الإقليمي، حول مواضيع غاية في الأهمية، وتحظى بأولية كبرى. كما أنه يعد فرصة للاطلاع واستعراض وتثمين المجهودات المبذولة لخلق فضاء قانوني موسع ومشترك بين أوروبا وبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط، المرتكز على احترام حقوق الانسان وسيادة القانون والحكامة.
في هذا الإطار، واعتبارا للقرب الجغرافي والروابط التاريخية والسياسية التي تجمع المغرب بدول الاتحاد الأوربي، والتي أهلته لمنحه صفة الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي منذ شهر أكتوبر من سنة 2008، ومكنته من إرساء قواعد قوية لشركات اقتصادية وسياسية مع دول الاتحاد الأوروبي، ودفعته إلى مواكبة هذا الوضع بإصلاحات هيكلية على مستوى قوانينه الوطنية لتسيار هذا الانفتاح الاقتصادي والسياسي.
وتفعيلا لالتزاماته مع الاتحاد الأوروبي المؤطرة أساسا باتفاقية الشراكة الموقعة سنة 1996 التي دخلت حيز التنفيذ خلال شهر مارس من سنة 2000، اعتمد المغرب العديد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية، التي كان ملزما بملاءمة تشريعاته معها، تماشيا مع أحكام الوثيقة الدستورية وكذلك تفعيلا لتلك الشراكة التي جعلت من التقارب التشريعي (المادة 52 من اتفاق الشراكة) أحد مقوماتها، اعتمدت بلادنا مخططا تشريعيا يرمي إلى اعتماد قواعد ونصوص تشريعية تكرس لمبادئ الحكامة والاحترام لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
حضرات السيدات والسادة،
لقد كان لمجال محاربة الجريمة، خاصة الجرائم المالية والجريمة المنظمة والعابرة للحدود التي جعلت من التطور التكنولوجي والرقمي إحدى ركائز انتشارها، أهم تجليات المواكبة التشريعية التي اعتمدتها بلادنا في ظل هذا الانفتاح، كما ظل احترام حقوق الانسان تيمة أساسية في هذا الورش التشريعي.
وفي هذا السياق، كان لوزارة العدل دور في إعداد ومراجعة العديد من القوانين ذات صلة بحقوق الانسان ومحاربة الجريمة وذلك في إطار الانفتاح على باقي الشركاء الوطنيين والدوليين، خاصة مجلس أوروبا، الذي صاحب وواكب بلادنا في إعداد العديد من النصوص القانونية.
ففي مجال حماية حقوق الإنسان وتكريس سيادة القانون والديمقراطية، أعدت وزارة العدل مشروع قانون رقم 27-14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والذي كان خطوة مهمة في تعزيز الإطار الوطني، المتعلق بالوقاية وحماية الضحايا ومتابعة مقترفي الجرائم، القائم على احترام حقوق الإنسان. وقد استوحي في إعداد مقتضيات هذا القانون من المعايير التي وضعتها اتفاقية مجلس أوروبا بشأن إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر (رقم 197 في سلسلة معاهدات مجلس أوروبا) وغيرها من الصكوك الدولية ذات الصلة.
كما مكّن هذا الإطار التشريعي من إحداث، خلال سنة 2019، اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، وقد تم إرساء شراكة مع مجلس أوروبا تم على أساسها تنظيم دورات تكوينية لفائدة أعضاء اللجنة تخص التعرف على الأسس المفاهيمية والمعيارية لمكافحة الاتجار في البشر، وتقنيات الكشف عن الضحايا والتعرف عليهم.
وفي إطار التزاماته الدولية في هذا المجال، أبدت السلطات المغربية اهتمامها بالدعوة الموجهة إلى بلادنا من الأمين العام لمجلس أوروبا للانضمام إلى الاتفاقية الأوروبية، والتي من شأنها أن تسهم في الارتقاء بالإطار التشريعي والمؤسسي للمغرب في هذا المجال. كما أنه في إطار تعزيز الإطار القانوني لحماية الأطفال، باشر المغرب إجراءات الانضمام لاتفاقية
Lanzarote.مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسي الموقعة بلانزاروت
في 25 أكتوبر 2007، حيث سبق أن صادق عليها البرلمان بغرفتيه خلال سنة 2014. وقد شكل البرنامج الأوروبي لتعليم حقوق الإنسان للمهنيين
إحدى تجليات هذا التعاون في تقاسم قيم حقوق الانسان بين المجتمعين المغربي والأوروبي.(HELP).القانونيين
حضرات السيدات والسادة
اعتبارا لما واكب عالم التكنولوجيا والرقمنة من تطور وما صاحبه من توفير لوسائل التواصل جعل من تبادل المعطيات الشخصية للأفراد ومعالجتها من طرف العديد من المتدخلين في إطار الانفتاح الاقتصادي والتجاري الذي تعرفه بلادنا مع العديد من الشركاء الاقتصاديين، خاصة الأوربيين منهم، كان المغرب مدعوا إلى مراجعة قوانينه الداخلية ذات صلة، لملاءمتها مع التزاماته الدولية المترتبة عن انضمامه إلى الاتفاقية الأوروبية رقم 108 المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه المعالجة الآلية للمعطيات ذات الطابع الشخصي، الموقعة بستراسبورغ في 28 يناير 1981 وكذا البروتوكول الإضافي للاتفاقية، المتعلق بسلطات المراقبة والتبادل الدولي للمعطيات، الموقع بستراسبورغ في 8 نوفمبر 2001.
هذا، وفي إطار سعيه المستمر إلى تحيين ترسانته القانونية المتعلقة بهذا المجال، واكب مجلس أوروبا بلادنا في إطلاق هذا المسلسل قصد تحقيق الملاءمة مع أحكام بروتوكول تعديل اتفاقية مجلس أوروبا رقم 108 لحماية الأشخاص تجاه المعالجة الآلية للمعطيات ذات الطابع الشخصي، الموقع بستراسبورغ في 10 أكتوبر 2018، (أصبحت تعرف اختصارا بالاتفاقية 108+)، التي باشرت بلادنا إجراءات الانضمام إليها من خلال مصادقة البرلمان على القانون رقم 53.21 الذي يوافق بموجبه على البروتوكول.
حضرات السيدات والسادة،
في إطار برامج الشراكة القائمة بين المغرب ومجلس أوروبا، قدم هذا الأخير مساعداته لبلادنا من خلال برامج بناء القدرات في مجال الجرائم الإلكترونية والتي ارتكزت على مواكبة ملاءمة التشريعات الوطنية المتعلقة بالإجراءات وكذا اعتماد بعض توصياته في التعديلات التي عرفتها بعض مشاريع القوانين ذات صلة.
وبعد المصادقة على اتفاقية بودابست وبروتوكولها الإضافي الأول، أبدت بلادنا انخراطها الفعلي والجدي في محاربة ومجابهة كل أنواع الجرائم المرتبطة بأنظمة الكمبيوتر، ولهذه الغاية قامت وزارة العدل بإعداد مسودة قانون المسطرة الجنائية لتصبح هذه الأخيرة متلائمة مع اتفاقية بودابست، كما قامت وفي نفس الإطار، بإعداد مسودة للقانون الجنائي يحمل في طياته تجريم العديد من الأفعال الإجرامية المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، والتي كانت إلى أجل قريب تشكل تحديا كبيرا أمام القضاء المغربي.
وبتاريخ 12 مايو 2022 وقعت بلادنا على البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقية بودابست حول محاربة الجريمة الإلكترونية، والمتعلق بتعزيز التعاون والكشف عن الأدلة الإلكترونية والذي يهدف بشكل أساسي إلى تعزيز التعاون والكشف عن الأدلة بين الدول الأعضاء عبر ميكانيزمات وآليات مستحدثة من شأنها وضع حد لمجموعة من الإشكاليات المتمثلة في بطء الإجراءات المترتبة عن مساطر التعاون القضائي الكلاسيكية أو عن مساطر الإنابات القضائية، كما يهدف إلى تعزيز قدرات الفاعلين في مجال العدالة الجنائية في كل ما يتعلق بجمع الأدلة الإلكترونية، فضلا عن إتاحته ولأول مرة الإمكانية للتعاون المباشر بين مزودي الخدمات وسلطات الدول الأطراف، مما سيوفر الوقت والجهد في سبيل الحد من الظواهر الإجرامية المرتكبة عبر الوسائل الرقمية.
حضرات السيدات والسادة،
لقد شكل مجال مكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، أحد الأوراش التشريعية المهمة التي باشرتها بلادنا خلال هذه العشرية الأخيرة، والتي توجت باعتماد القانون رقم 12.18 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال الذي تمت صياغته بالشكل الذي يتوافق مع الدينامية الجديدة التي تعرفها القوانين والتشريعات الدولية، وأيضا تطور جرائم الأموال وظهور أنماط جديدة من غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما استفاد المغرب من المنهجيات التي تم تطويرها داخل مجلس أوروبا لتقييم التحديات المشتركة
التابعة لمجلس أوروبا.(GRECO).والاستجابة لها بانتظام من خلال مشاريع متعددة. على سبيل المثال، مجموعة الدول المناهضة للفساد
هذا، وفي إطار التزاماته مع دول الاتحاد الأوروبي، صادقت بلادنا، بتاريخ 19 أبريل 2022، على اتفاقية مجلس أوربا بشأن غسل الأموال وتجميد وحجز ومصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة وبشأن تمويل الإرهاب، الموقعة بفارسوفيا في 16 مايو 2005 والتي لم تلزم بلادنا بأي ملاءمة للتشريع الوطني نظرا للتطور الذي عرفته القوانين المغربية في هذا المجال.
حضرات السيدات والسادة، لقد واكب هذا الورش على مستوى التقارب التشريعي ورش آخر لبناء روابط مؤسساتية مع مجلس أوروبا، والذي من بين تمظهراته حصول بلادنا على وضع شريك من أجل الديمقراطية لدى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وشريك من أجل الديمقراطية المحلية مع كونغريس مجلس أوروبا، وفي مجال العدالة استفاد المغرب من وضع كملاحظ لدى المجلس الاستشاري للمدعين الأوروبيين
التابعة لمجلس أوروبا.(CEPEJ).وأيضا لدى اللجنة الأوروبية لفعالية العدالة.(CCPE)
حضرات السيدات والسادة
لا يسعني في ختام هذه الكلمة، إلا التأكيد على أن استقرار السياسي والإصلاحات الشاملة التي يقوم بها المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، فضلا عن دوره المحوري في مكافحة الإرهاب، والهجرة السرية، والجريمة العابرة للحدود، من بين النقاط البارزة التي تجعله شريكا رئيسيا للاتحاد الأوروبي في المنطقة.
كما أتوجه بالشكر والتحية لكل من أسهم في تنظيم وتسيير هذا المؤتمر، الذي يعد مناسبة لتعميق النقاش واستنباط التوصيات والممارسات الجيدة التي ستمكن من مواصلة مسلسل التقارب التشريعي بين أوروبا وجنوب البحر الأبيض المتوسط في إطار احترام تام لمبادئ حسن الجوار.
والسلام عليكم ورحمة الله