تاموسيدا.. شاهد على عمق التاريخ المغربي

0
40

يُعدّ الموقع الأثري تاموسيدا، الواقع على بعد حوالي 15 كيلومتراً شمال مدينة القنيطرة على الضفة اليسرى لوادي سبو، من أهم المواقع الأثرية في المغرب، إذ يجسد عمق التاريخ الإنساني بالمملكة، منذ العصور الموريتانية والأمازيغية مروراً بالحقبة الفينيقية ووصولاً إلى العهد الروماني.

ويؤكد الباحث رشيد أعرابي من جامعة ابن طفيل أن مدينة تاموسيدا عرفت استيطاناً بشرياً متواصلاً منذ القرن السادس قبل الميلاد، بفضل موقعها المتميز قرب الوادي والأراضي الزراعية والغابات، مما جعلها مركزاً تجارياً نشطاً منذ العصور الفينيقية والموريتانية، قبل أن تبلغ أوج ازدهارها في العهد الروماني.

وقد كشفت الحفريات الأثرية عن قطع فخارية وعملات وأدوات تعود إلى تلك الفترات، ما يؤكد انفتاح المدينة على المبادلات التجارية مع الضفة الجنوبية للأندلس. كما كانت تاموسيدا في العصر الروماني مركزاً عسكرياً وإدارياً مهماً في منطقة الغرب، تضم معسكراً وقصوراً عامة ومعابد وحمّامات وميناءً نهرياً لتصدير الحبوب.

وأظهرت الأبحاث التي أُجريت بين عامي 1999 و2006 تفاصيل دقيقة عن مخطط المدينة وشبكة شوارعها وورشات الصناعة فيها، خاصة أفران الفخار ومصانع الأمفورات المخصصة لحفظ وتمليح الأسماك، ما يؤكد اندماجها في الاقتصاد البحري الروماني.

وفي إطار الحفاظ على هذا الإرث، تم توقيع اتفاقية شراكة سنة 2015 بين وزارة الثقافة ومجلس جهة الرباط–سلا–القنيطرة وعمالة القنيطرة وجماعة أولاد سلامة، بهدف تأهيل الموقع وإدماجه في المسارات السياحية والثقافية للمنطقة.

من جهته، أوضح رضا أجرام، محافظ موقعي بنّاسة وتاموسيدا، أن المدينة القديمة تمثل رمزاً للتجذر الإنساني العميق في المغرب، مشيراً إلى أن موقعها الاستراتيجي على ضفة النهر وقربها من الساحل جعل منها محوراً حيوياً للتجارة والنقل، ومركزاً حضارياً تميز ببناء المعابد والحمّامات والمنازل المزخرفة بالفسيفساء.

وتعكس القطع الأثرية المكتشفة – من فخار وتماثيل ونقوش وعملات – تفاعل السكان المحليين مع الحضارة الرومانية، كما تُبرز مستوى متقدماً من التنظيم المعماري والاجتماعي الذي جعل من تاموسيدا مركزاً حضارياً مميزاً.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا