السفر عبر الزمن هو فكرة شغلت خيال العلماء والكتّاب على حد سواء، وقد بدأت الفكرة تتخذ طابعًا علميًا في الفيزياء الحديثة بفضل النظرية الكمومية. في السنوات الأخيرة، تحققت خطوات ملموسة نحو فهم أعمق لهذه الفكرة بفضل الأبحاث في ميكانيكا الكم.
الحلقات الزمنية الكمومية
في الأصل، كانت الحلقات الزمنية فكرة نظرية ظهرت أولاً في سياق النسبية العامة لأينشتاين. تفترض هذه الفكرة أن الزمكان يمكن أن ينحني بشكل يسمح بعودة شيء إلى الماضي، لكن هذا يتطلب ظروفًا غير قابلة للتحقيق في مختبراتنا اليوم، مثل وجود ثقب أسود.
ومع ذلك، في عالم ميكانيكا الكم، بدأت الفكرة تأخذ شكلًا أكثر قابلية للتطبيق. في عام 1991، اقترح الفيزيائي ديفيد دويتش فكرة “المنحنى الزمني المغلق الكمي” باستخدام التشابك الكمومي، وهو مفهوم يتيح لجسيمات مترابطة التأثير على بعضها البعض بسرعة تفوق سرعة الضوء، مما يتحدى المفهوم التقليدي للزمان والمكان.
التشابك الكمومي والسببية الرجعية
التشابك الكمومي هو ظاهرة غريبة تجعل الجسيمات مترابطة بشكل يسمح بتبادل المعلومات بينهما فورًا، بغض النظر عن المسافة. هذا التفاعل يتعارض مع فكرة أن المعلومات لا يمكن أن تنتقل بسرعة أكبر من سرعة الضوء، مما يعزز فكرة السببية الرجعية، حيث يمكن للمستقبل التأثير على الماضي.
التجارب الفكرية والتطبيقات العملية
في عام 2010، قدم سيث لويد وزملاؤه فكرة جديدة حول الحلقات الزمنية الكمومية، مستخدمين “الاختيار بعد التحديد” (أو الاختيار اللاحق)، وهي تقنية تعتمد على حسابات كمومية متكررة والتخلص من النتائج غير المرغوب فيها. هذا الاقتراح يتيح، في نظرهم، إمكانية إجراء تغييرات على خصائص الجسيمات في الماضي بناءً على المعرفة المستقبلية.
تجربة فكرية أخرى قدمت فكرة مماثلة باستخدام كيوبتات لتطبيق مفهوم “المنحنى الزمني المغلق الكمي”. هذه التجربة تفترض أن هناك إمكانيات للتأثير على الحالة الكمومية لجسيم في الماضي عبر معرفة خاصية معينة في المستقبل.
التجارب الفعلية والتقدم الأخير
في مارس 2024، تم تقديم تجربة حقيقية أظهرت أن تحسين كفاءة المعالجات الكمومية يمكن تحقيقه باستخدام محاكاة للمنحنى الزمني المغلق. هذه التجربة تمثل خطوة نحو تحقيق التطبيقات العملية لفكرة الحلقات الزمنية الكمومية، حيث أظهرت كيف يمكن استخدام هذه الفكرة لتحسين التجارب والأجهزة الكمومية.
الآفاق المستقبلية
حتى الآن، تظل فكرة السفر عبر الزمن في نطاق التجارب الفكرية والبحث النظري. لكن التطورات في مجال ميكانيكا الكم والتشابك الكمومي تفتح الأبواب لفهم أعمق للزمان والمكان. بينما لم يتمكن العلماء من تحقيق السفر الفعلي عبر الزمن، فإن الأبحاث الحالية قد تساعد في تعزيز فهمنا للواقع والسببية، وقد تؤدي في النهاية إلى تطبيقات جديدة في التكنولوجيا الكمومية.