اتخذت نخبة من المرشدين السياحيين المعتمدين بمراكش المعروفين بغيرتهم على تثمين التراث المادي واللامادي كشعار لنشاطها الثقافي لهذه السنة “آسفي ذاكرة تصارع النسيان”. فبعد النجاح الباهر الذي حققته الرحلات الديداكتيكية التي نظمتها ذات النخبة في سنوات سابقة إلى تاسغيموت وأغمات وإمليل ومعامل السكر بشيشاوة ومثيلاتها بإدى وكرض ثم إلى مدينة الصويرة في 5 فبراير 2023 والتي استفاد منها ما يناهز 90 مرشد سياحي معتمد وعرفت مشاركة العديد من الباحثين والأخصائيين والأساتذة والصحفيين، أبى المنظمون هذه السنة إلا أن يحطوا الرحال في عاصمة عبدة وعيا منهم بضرورة تنويع العرض عبر إدراج مدينة آسفي ضمن المدن السياحية التي قد تشكل لا محالة قيمة مضافة إلى الجهة بشكل خاص والمغرب كوجهة سياحية بصفة عامة شريطة أن تتضافر جهود كل من الوزارة الوصية والمجلس الإقليمي للسياحة والمديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والمنتخبين والسلطات المحلية والمجتمع المدني في إطار المقاربة التشاركية الديمقراطية التي ينص عليها الدستور وذلك من أجل تلميع صورة مدينة آسفي كل حسب اختصاصه وتوفير بيئة مناسبة للاستثمار في مجال السياحة، وبالتالي تحقيق ديناميكية جديدة من شأنها خلق فرص للشغل سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة لفئة عريضة من ساكنة المدينة ورفع الإقصاء والحيف عنها في سياق منظومة تكريس العدالة الترابية والمجالية التي تتوخى تقليص الفوارق الاجتماعية والجغرافية بين الجهات والأقاليم المغربية وفقا للتعليمات والتوجيهات الملكية السامية التي تعتبر ثمرة لنظرة جلالته الثاقبة إلى كنه المجتمع والنموذج التنموي الأمثل.
فهل يعقل أن تنتمي مدينة آسفي إلى جهة تشكل السياحة رافعتها التنموية دون أن تنال حظها -على غرار مدينة الصويرة- من ذلك القطاع الحيوي علما أنها تزخر بالعديد من المؤهلات التاريخية والجغرافية والحضارية والثقافية التي تستهوي لا ريب السائح والتي لا يتطلب استغلالها سوى إرادة سياسية فعلية ؟ فما هكذا تكون السياحة التضامنية والمنصفة والمستدامة التي ما تفتأ تلوح بها الوزارة الوصية كشعار لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون.
والجدير بالذكر أن هذه الرحلة الديداكتيكية التي تم تنظيمها في نسختها الخامسة والتي عرفت مشاركة 42 مرشدا سياحيا بالإضافة إلى أساتذة وباحثين ومنعشين سياحيين وصحفيين قد سبقها لقاء جمع بين منظميها والمجلس الإقليمي للسياحة والمدير الإقليمي لوزارة الثقافة و إخبار السلطات المحلية لجعلها خطوة أولى تمهد لشراكة فعلية وفعالة بين القطاعين العام والخاص في مجال تطوير السياحة الثقافية في مدينة آسفي وذلك من خلال النبش في ذاكرة هذه المدينة الضاربة في القدم ونفض الغبار عن مؤهلاتها السياحية والثقافية التي طالتها يد النسيان والخذلان.
فهل ستشكل هذه الالتفاتة من لذن المرشدين السياحيين اللبنة الأولى في سلسلة من المجهودات الجماعية المكثفة الرامية إلى النهوض بمدينة آسفي بما “يفتح شهية” وكالات الأسفار و “يسيل لعابها” لإدراجها ضمن عروضها السياحية ؟ أم سيغض المسؤولون والمنتخبون والقائمون على الشأن المحلي بهذه المدينة الطرف على تلك البادرة الحميدة ويستمرون في سباتهم العميق الذي أفقد عاصمة عبدة جاذبيتها وطمس معالمها وجعلها تقبع في الدرك الأسفل من التهميش والفقر المدقع ؟ أم هل ستستيقظ بعض الضمائر لتنتفض في وجه هذه الوضعية المزرية التي تحول دون إرساء مقاربة إدماجية وتكاملية بين القطاعات المعنية المتدخلة في التنمية البشرية بما قد يضمن لساكنة حاضرة عبدة المنسية العيش الكريم وبما سيساهم في تحفيق طفرة نوعية في حياتهم اليومية ؟ وهل فعلا ستنخرط كل الجهات المعنية في هذا المشروع الذي يروم تموقع آسفي في خريطة السياحة جهويا ووطنيا لتشكيل ما أسميه شخصيا “ثالوثا ذهبيا” تشكل مراكش والصويرة وآسفي أضلاعه ورؤوسه ؟