لليوم الثاني على التوالي، لا تزال النيران تحاصر أكبر غابة صنوبر برّي في الشرق الأوسط، وهي غابة بطرماز/ السفيري في قضاء الضنيّة (شمال لبنان)، بفعل حريق في مكبّ عشوائي للنفايات، يقع بين بلدتَي «طاران» و«بطرماز» بالقرب من الغابة المذكورة، وفق المعلومات الأوليّة، في حين لم تستطع طوّافات الجيش، حتى كتابة هذه السطور، من إخمادها بسبب الضباب الذي غطّى المنطقة، وفي ظلّ تعذّر وصول آليات الدفاع المدني إلى مكان الحريق، فيما اقتصر الأمر على جهود يدويّة قام بها عناصر الدفاع المدني ومركز أحراج الضنيّة والجيش اللبناني ومتطوّعون. وذلك، وسط ارتفاع منسوب الخشية من اتّساعه وتمدّده أكثر أو اقترابه أكثر من المناطق السكنيّة والأراضي الزراعيّة. وتزامناً، تمكّن عناصر الدفاع المدني في «الضنيّة» من إخماد حريق اندلع في أعشاب يابسة وامتدّ إلى أشجار حرجيّة في بلدة بخعون (الضنيّة)، ومنعوا تمدّده باتجاه الأراضي الزراعية أو اقترابه من المناطق السكنيّة.
اتهامات
ووسط تقاطع المعلومات الأوليّة عند توجيه أصابع الاتهام إلى «جهات منتفعة»، تقف وراء افتعال بعض من هذه الحرائق، عبر إشعال شرارتها الأولى، لتتولّى العوامل الطبيعيّة مهمّة توسيع رقعتها، أعاد حريق «السفيري» تسليط الضوء على واقع الحرائق في لبنان، الطبيعيّة منها والمفتعلة، ومفاده أنّها «أكلت» معظم أخضر هذا البلد، لا سيّما في السنوات الـ4 الأخيرة، ولا تزال نيرانها تلتهم الأخضر الحيّ الباقي، وكأنّها صارت موسماً أو فصلاً من فصول السنوات السود.
وبغضّ النظر عمّا ستؤول إليه نتائج التحقيقات الجارية لتحديد أسباب اندلاع الحرائق المتزامنة، وتبيان ما إذا كانت «بفعل فاعل»، فإنّ السلطة تبقى هي نفسها «المتّهم» الأوّل والأخير بارتكاب هذه الجريمة البيئيّة، سواء من خلال كونها مسؤولة عن التغطية الموسميّة لاندلاعها من دون أن تحرّك ساكناً في سبيل وضع خطّة طوارئ وطنيّة، ودعم الدفاع المدني ورفده بالتجهيزات اللازمة لمكافحة الحرائق، أو من خلال ما يُحكى عن ضلوع سماسرة نافذين في ارتكاب هذه الجريمة الحرجيّة لغايات لها أبعاد متّصلة بمصالح عقاريّة في بعض الأماكن، وبمصالح ربحيّة تتعلّق بتجارة الحطب في أماكن أخرى.